حكاية إدلبية- أبو عمر وفوائد الموبايل
خطيب بدلة
يرى صديقي أبو عمر في كل شيء يمر به في الحياة اليومية نعمة مرسلة إليه من الله تُباسُ عليها اليد وجها وقفا، وهو بذلك على عكس العشرات من الناس الذي يتخذون من النق والتذمر والشكوى شعاراً لا يحيدون عنه، وإذا قدمت لأحدهم نصف الدنيا ملكية رسمية بموجب أوراق (طابو) نظامية تلفت ببصره يمنة ويسرة وتساءل:
- والنصف الثاني لمن؟
حينما وصلت إلى دكان أبي عمر كان يضع الموبايل على أذنه، لحظات ثم أطفأه ووضعه في جيبه، ثم هب للسلام علي وهو يقول:
- أول شي يا أبو عبدو (هذا لقبي القديم) أنا مشتاق لك، من زمان ما رأيتك، وثاني شي أريد أن أسألك: عليك الطلاق بالثلاثة، حينما رأيت الموبايل معي ألم تضحك علي؟ يا أخي الموبايل لم يخترعوه من أجلي، وأقسم بالله أنه لا يليق بواحد (مفشكل) مثلي، ولكنني، مع ذلك، تعديت عليه واشتريته. وأم عمر أيضاً اشترت موبايل. من يومين رأيتها تستعمله فقلت لها: إن الذين اخترعوه لو علموا أنك ستستعملينه لأقلعوا عن ذلك.
سألته: لماذا قلت لها ذلك؟
قال: لكي تغضب وترشقني بوابل من عبارات التقريع، وأنا أضحك، ووقتها تنتبه هي إلى أنني كنت أعمد إلى إغضابها من قبيل المزاح، فتضحك وتنفرج أساريرها.
وقال: انتظرني لأركب الأبريق على البوتاجاز ثم نتحادث أنا وأنت.
فعل ذلك في وقت قصير، ثم قال لي:
الله وكيلك يا أبو عبدو أنا مبسوط، وبألف نعمة من الله. أنا أيش ناقصني؟ عمري الآن سبعون سنة، وكل واحد من أولادي له وظيفة يعيش منها وعنده دار يسكنها، وكلهم متزوجون ويخلفون أولاداً. وأما إيراد دكاني هذا فنصرفه أنا وأم عمر لحالنا، أنا أبسط من الملوك.
قلت: والموبايل؟
قال: دع المزاح جانباً، فالموبايل نعمة، وفوائده لا تعد ولا تحصى. تخيل، طوال شهر رمضان وأنا أعيره وأستيقظ على رنينه من أجل السحور. وحينما أكون في الدكان أعمل به (رنة) لسائق التكسي الذي تعاقدنا معه ليوصلنا إلى البيت في فترة الغداء، فيأتي في الحال، ويشحنني إلى البيت. وفي الصباح أعلم له بالموبايل فيأتي ويشحنني من البيت إلى الدكان. وإذا كانت الكهرباء مقطوعة فإن المرء يمكن أن يسير على ضوء الموبايل فلا يقع على درج البناية ويصير أضحوكة لمن يسوى ولمن لا يسوى.
قلت: أهذه هي فوائده؟
قال: انتظر علي لأعدد لك البقية: حفيدي ابن بنتي يأتي لزيارتنا بين الحين والآخر، وكلما أتى يرسل لي على (البلوتوس) نهفة أو تمثيلية قصيرة تضحك من لم يضحك طوال عمره. الآن إذا شئت أريك نماذج منها وستضحك على كفالتي. وفي العيد الصغير والعيد الكبير تأتينا أن وأم عمر (مكاتيب) معايدة في الموبايل، ونحن لا نرد عليها لأن أم عمر لا تعرف الكتابة على الموبايل، وأنا خطي مفشكل. وحينما أكون أنا في الدكان، وصوت المنشرة يصرع فإنني أشغل مسجلة الموبايل على أم كلثوم وأرفع صوته حتى يطغى على صوت المنشرة.
والموبايل فيه مفكرة. إذا كان الواحد ذاكرته عفشيكا مثل ذاكرتي فإنه يستطيع أن يعتمد على رسائل التذكير، فبينما أنت ناس موعدك ينفتح الموبايل ويبدأ بالرنين حتى تتذكر.
والموبايل عبارة عن كاميرا يحملها المرء حيثما ذهب، من مدة عملنا عيد ميلاد لأختك أم عمر، فحضرت العائلة كلها، الكبير والصغير والمقمط بالسرير، الله وكيلك طقينا لها أكثر من ألف صورة فوتوجراف من عدا أفلام الفيديو. وبعد كل هذا الشيء يمكنك أن ترسل هذه الصور إلى الكومبيوتر فتحفظها زمناً طويلاً ولا تحتاج أن تذهب إلى المصور أبو شعبان الذي مرت عليه أيام قديمة كان لا يجرؤ أحد على أن يكلمه من كثرة الزحمة عند باب دكانه.
فجأة ضحك أبو عمر وقال لي:
طيب هل تصدق إذا قلت لك معلومة عن الموبايل لا يعرفها غيري؟
قلت: يا حبذا.
قال: كنا في بيت إبني، وعندهم مسمار يعلقون عليه صورتي، ومن طول الأيام انقلع. أخذت المسمار، ودققته بالموبايل حتى دخل بالجدار على أكمل وجه! يا أخي الموبايل غير شكل.
(ملاحظة: عدد أبو عمر كل هذه المزايا للموبايل، ولم يذكر لي أنه يتحدث فيه)!
خطيب بدلة
يرى صديقي أبو عمر في كل شيء يمر به في الحياة اليومية نعمة مرسلة إليه من الله تُباسُ عليها اليد وجها وقفا، وهو بذلك على عكس العشرات من الناس الذي يتخذون من النق والتذمر والشكوى شعاراً لا يحيدون عنه، وإذا قدمت لأحدهم نصف الدنيا ملكية رسمية بموجب أوراق (طابو) نظامية تلفت ببصره يمنة ويسرة وتساءل:
- والنصف الثاني لمن؟
حينما وصلت إلى دكان أبي عمر كان يضع الموبايل على أذنه، لحظات ثم أطفأه ووضعه في جيبه، ثم هب للسلام علي وهو يقول:
- أول شي يا أبو عبدو (هذا لقبي القديم) أنا مشتاق لك، من زمان ما رأيتك، وثاني شي أريد أن أسألك: عليك الطلاق بالثلاثة، حينما رأيت الموبايل معي ألم تضحك علي؟ يا أخي الموبايل لم يخترعوه من أجلي، وأقسم بالله أنه لا يليق بواحد (مفشكل) مثلي، ولكنني، مع ذلك، تعديت عليه واشتريته. وأم عمر أيضاً اشترت موبايل. من يومين رأيتها تستعمله فقلت لها: إن الذين اخترعوه لو علموا أنك ستستعملينه لأقلعوا عن ذلك.
سألته: لماذا قلت لها ذلك؟
قال: لكي تغضب وترشقني بوابل من عبارات التقريع، وأنا أضحك، ووقتها تنتبه هي إلى أنني كنت أعمد إلى إغضابها من قبيل المزاح، فتضحك وتنفرج أساريرها.
وقال: انتظرني لأركب الأبريق على البوتاجاز ثم نتحادث أنا وأنت.
فعل ذلك في وقت قصير، ثم قال لي:
الله وكيلك يا أبو عبدو أنا مبسوط، وبألف نعمة من الله. أنا أيش ناقصني؟ عمري الآن سبعون سنة، وكل واحد من أولادي له وظيفة يعيش منها وعنده دار يسكنها، وكلهم متزوجون ويخلفون أولاداً. وأما إيراد دكاني هذا فنصرفه أنا وأم عمر لحالنا، أنا أبسط من الملوك.
قلت: والموبايل؟
قال: دع المزاح جانباً، فالموبايل نعمة، وفوائده لا تعد ولا تحصى. تخيل، طوال شهر رمضان وأنا أعيره وأستيقظ على رنينه من أجل السحور. وحينما أكون في الدكان أعمل به (رنة) لسائق التكسي الذي تعاقدنا معه ليوصلنا إلى البيت في فترة الغداء، فيأتي في الحال، ويشحنني إلى البيت. وفي الصباح أعلم له بالموبايل فيأتي ويشحنني من البيت إلى الدكان. وإذا كانت الكهرباء مقطوعة فإن المرء يمكن أن يسير على ضوء الموبايل فلا يقع على درج البناية ويصير أضحوكة لمن يسوى ولمن لا يسوى.
قلت: أهذه هي فوائده؟
قال: انتظر علي لأعدد لك البقية: حفيدي ابن بنتي يأتي لزيارتنا بين الحين والآخر، وكلما أتى يرسل لي على (البلوتوس) نهفة أو تمثيلية قصيرة تضحك من لم يضحك طوال عمره. الآن إذا شئت أريك نماذج منها وستضحك على كفالتي. وفي العيد الصغير والعيد الكبير تأتينا أن وأم عمر (مكاتيب) معايدة في الموبايل، ونحن لا نرد عليها لأن أم عمر لا تعرف الكتابة على الموبايل، وأنا خطي مفشكل. وحينما أكون أنا في الدكان، وصوت المنشرة يصرع فإنني أشغل مسجلة الموبايل على أم كلثوم وأرفع صوته حتى يطغى على صوت المنشرة.
والموبايل فيه مفكرة. إذا كان الواحد ذاكرته عفشيكا مثل ذاكرتي فإنه يستطيع أن يعتمد على رسائل التذكير، فبينما أنت ناس موعدك ينفتح الموبايل ويبدأ بالرنين حتى تتذكر.
والموبايل عبارة عن كاميرا يحملها المرء حيثما ذهب، من مدة عملنا عيد ميلاد لأختك أم عمر، فحضرت العائلة كلها، الكبير والصغير والمقمط بالسرير، الله وكيلك طقينا لها أكثر من ألف صورة فوتوجراف من عدا أفلام الفيديو. وبعد كل هذا الشيء يمكنك أن ترسل هذه الصور إلى الكومبيوتر فتحفظها زمناً طويلاً ولا تحتاج أن تذهب إلى المصور أبو شعبان الذي مرت عليه أيام قديمة كان لا يجرؤ أحد على أن يكلمه من كثرة الزحمة عند باب دكانه.
فجأة ضحك أبو عمر وقال لي:
طيب هل تصدق إذا قلت لك معلومة عن الموبايل لا يعرفها غيري؟
قلت: يا حبذا.
قال: كنا في بيت إبني، وعندهم مسمار يعلقون عليه صورتي، ومن طول الأيام انقلع. أخذت المسمار، ودققته بالموبايل حتى دخل بالجدار على أكمل وجه! يا أخي الموبايل غير شكل.
(ملاحظة: عدد أبو عمر كل هذه المزايا للموبايل، ولم يذكر لي أنه يتحدث فيه)!