إبداعات سورية في العصر الهيلينستي
في عام 332 ق.م اجتاحت جيوش الاسكندر المقدوني سورية من جهة الشمال, و اصطدمت بجيوش داريوس (أودارا) الامبراطور الفارسي في معركة ايسوس حيث كانت الغلبة لجيش الاسكندر, و هكذا انتهى الحكم الفارسي في سورية ليحل محله الحكم المقدوني اليوناني.
و اكملت جيوش الاسكندر احتلال سورية, و انتقلت منها الى مصر حيث احتلتها بالكامل, ثم عادت و عبرت سورية شرقا الى بلاد ما بين النهرين و بلاد الفرس ووادي السند (باكستان حاليا)ثم عادت الى بلاد ما بين النهرين و استقر الاسكندر في مدينة بابل و تزوج منها و اراد ان ينشئ امبراطورية تجمع الغرب والشرق معا و لكنه توفي عام 323 ق.م.
و بعد وفاة الاسكندر تقاسم قادته المقربون اراضي امبراطوريته, و انشأ كل منهم دولة مستقلة في الاراضي التي يسيطر عليها, و كان هذا نقطة البدء في ظهور كل من (الدولة السلوقية ) و(الدولة البطلمية):
1 نشأت الدولة السلوقية نسبة الى القائد سلوقس و ضمت اراضي سورية بمفهومها الجغرافي ذلك الوقت اي منطقة كيليكيا,و بلاد ما بين النهرين و بلاد الشام حتى خليج العقبة و منطقة مدائن صالح في السعودية حاليا, و قد تم انشاء مدينة انطاكية عاصمة للدولة السلوقية هذه.
2 أما الدولة البطليمية (نسبة الى القائد بطليموس) فقد امتدت على الاراضي المصرية بكاملها و جزء من السودان و ليبيا الحالية, و كان اخر ملوكها الملكة كليوبترا عام 30 ق.م . و اللافت ان احتلال المقدونيين لاراضي المشرق لم يكن مجرد حدث تاريخي زال بزوال صاحبه (الاسكندر), و انما كان صدمة حضارية نشأت على اثرها عملية (مثاقفة) خلاقة بين حضارتين, وهما الحضارة اليونانية ( او الاغريقية او الهيلينية) من جهة, و الحضارات المشرقية المحلية التي كانت قائمة في سورية و مصر من جهة ثانية, و هذا ماأدى الى انبثاق حضارة جديدة هي الحضارة الهيلينستية(أي اليونانية المشرقية) في المنطقة, و قد دامت هذه الحضارة ثلاثة قرون و نيف ( بين عام 332 ق.م و حتى عام 63 ق.م في سورية, و عام 300 ق.م في مصر).
و هكذا فإن الحضارة الهيلينستية بالرغم من انها كانت حضارة ناطقة باليونانية فإنها كانت تحمل في الوقت نفسه كثيرا من المعطيات الفينيقية و ا لسريانية و الارامية و الفرعونية القديمة. و يظهر هذا واضحا في النزعة الشاملة الانسانية(الكوزموبوليتية)للعالم, وهذا امر لم يكن موجودا في الحضارة اليونانية المركزية.
و في فترة ازدهار الحضارة الهيلينستية ( وهي الفترة الممتدة بين 25050ق.م )ظهر فلاسفة و علماء موسوعيون و شعراء مبدعون في كل من سوريةو مصر, و بالرغم من ان هؤلاء كتبوا باليونانية غير انهم تأثروا تأثرا واضحا بثقافة بلدانهم الاصلية, وكما انه من حق الثقافة السورية و المصرية ان تعتبرهم جزءاً منها, فإن من حق الثقافة السورية والمصرية ان تعتبرهم كذلك ايضا .
و مثل عملية المثاقفة الابداعية و الخلاقة هذه حدثت في الدولة العربية الاسلامية فيما بعد حين ابدع اطباء و فلاسفة من اصول فارسية او تركمانية مثل الفارابي وابن سينا و الخوارزمي و الرازي, و كانت لغة ابداعهم العربية, فهؤلاء الاطباء و الفلاسفة يشبهون في حالتهم حالة الفلاسفة و الادباء في العصر الهلينيستي, و كل ما هنالك من فرق هو اننا كنا نصور المبدعين في الحالة الاولى و اصبحنا نستوردهم في الحالة الثانية.
و قد يتساءل بعض القراء عن فائدة البحث في حضارة العصر الهيلينستي, و الجواب هو بكل صراحة لاننا لم نوف هذا العصر حقه في الدراسة, سواء في الجانب التاريخي ام في الجانب الادبي : ففي الجانب التاريخي اذكر اننا درسنا في قسم التاريخ بجامعة دمشق التاريخ اليوناني و التاريخ الروماني والتاريخ البيزنطي, و لكننا لم ندرس بتاتا التاريخ الهيلينستي. و في قسم الادب الفرنسي درسنا الاداب الكلاسيكية من يونانية (هوميروس..) ولاتينية(شيشرون) ولكننا لم ندرس كلمة واحدة عن الادباء و الشعراء و الفلاسفة في العصر الهيلينستي.
و قد تسنى لكاتب هذه السطور اثناء اقامته في كندا و امريكا خلال السنوات الخمس الاخيرة ان شاهد في مكتباتهما العامة مئات المؤلفات و عشرات الرسائل العلمية (اطروحات دكتوراه, رسائل ماجستيرودبلومات عليا ) تتحدث كلها عن العصر الهلينيستي في سورية ومصر بفلاسفته و علمائه و شعرائه و فنانيه, و قد طوبت هذه الدراسات اسم الشاعر السوري ميليا غروس على انه رائد المدرسة السورية في الشعر و اعتبرت العالم و الفيلسوف بوسيدوتيوس العالم الموسوعي الاول, حيث بحث في جميع العلوم المعروفة في عصرنا هذا, كما ان تحليلهم للمعلومات الفلكية الواردة في كتاب الظواهر جعلتهم يطلقون على فوهة كبرى في القمر اسم Aratusالذي الف هذا الكتاب, ويضاف الى هذه الاسماء اسم الفيلسوف الشاعر فيلوديموس الذي تحمل اسمه عدة مدرجات و قاعات جامعية اليوم.
و يقابل هذا اننا لا نجد في اللغة العربية الا بضع صفحات و احيانا عدة سطور عن هؤلاء, كما فعل الدكتور فيليب حتي في كتابه تاريخ سورية قبل نصف قرن من الزمن . و بما ان اغلبية المبدعين السوريين في العصر الهيلينستي صاغوا ابداعاتهم, بما فيها تلك التي تتعلق بالعلوم و الفلسفة, شعرا فإننا ندعو المسؤولين عن الثقافة في سورية, و المهتمين بالشؤون الثقافية فيها, الى تكليف لجنة متخصصة تجمع كل هذه الابداعات الشعرية سواء أكانت مكتوبة في لغتها الاصلية, ام مترجمة الى لغة اخرى, وذلك ضمن سفر شعري واحد (انطولوجيا), مع ترجمة هذه الاعمال جميعا الى العربية لانها تشكل جزءاً من تراثنا الثقافي على مر العصور .
و سنعمل من جهتنا على التعريف بأهم هؤلاء المبدعين السوريين الذين يمكن تصنيفهم ضمن فئتين:
اولا : في شؤون الثقافة و العلوم الموسوعية : و نذكر في هذا المجال ثلاثة من المبدعين:
> زينون الصيداوي : وهو صاحب المدرسة التي نشرت الفلسفة الابيقورية في بلاد اليونان.
> بوسيد وينوس : وهو عالم موسوعي بحث في اغلب العلوم التي نعرفها اليوم.
> فيلوديموس : وهو شاعر و فيلسوف من اصحاب الفلسفة الرواقية.
ثانيا: في شؤون الادب و الشعر: و نذكر في هذا المجال ستة شعراء يختص كل منهم في مجال معين وهم:
> ميليا غروس: في مجال الشعر و الغزل
> انتيباتر الصيدوني: في مجال الشعر الاجتماعي.
> بيون الازميري:في مجال الشعر الرثائي.
> بابريوس : في مجال الشعر الفلسفي الواردعلى ألسنة الحيوانات و النباتات.
> آراتوس : في مجال الشعر العلمي و خاصة الفلكي منه.
> آرخياس الانطاكي:في مجال الشعر الهزلي.
و نأمل الكتابة عن هؤلاء واحداً اثر واحد في مستقبل الايام.
جريدة الثورة
في عام 332 ق.م اجتاحت جيوش الاسكندر المقدوني سورية من جهة الشمال, و اصطدمت بجيوش داريوس (أودارا) الامبراطور الفارسي في معركة ايسوس حيث كانت الغلبة لجيش الاسكندر, و هكذا انتهى الحكم الفارسي في سورية ليحل محله الحكم المقدوني اليوناني.
و اكملت جيوش الاسكندر احتلال سورية, و انتقلت منها الى مصر حيث احتلتها بالكامل, ثم عادت و عبرت سورية شرقا الى بلاد ما بين النهرين و بلاد الفرس ووادي السند (باكستان حاليا)ثم عادت الى بلاد ما بين النهرين و استقر الاسكندر في مدينة بابل و تزوج منها و اراد ان ينشئ امبراطورية تجمع الغرب والشرق معا و لكنه توفي عام 323 ق.م.
و بعد وفاة الاسكندر تقاسم قادته المقربون اراضي امبراطوريته, و انشأ كل منهم دولة مستقلة في الاراضي التي يسيطر عليها, و كان هذا نقطة البدء في ظهور كل من (الدولة السلوقية ) و(الدولة البطلمية):
1 نشأت الدولة السلوقية نسبة الى القائد سلوقس و ضمت اراضي سورية بمفهومها الجغرافي ذلك الوقت اي منطقة كيليكيا,و بلاد ما بين النهرين و بلاد الشام حتى خليج العقبة و منطقة مدائن صالح في السعودية حاليا, و قد تم انشاء مدينة انطاكية عاصمة للدولة السلوقية هذه.
2 أما الدولة البطليمية (نسبة الى القائد بطليموس) فقد امتدت على الاراضي المصرية بكاملها و جزء من السودان و ليبيا الحالية, و كان اخر ملوكها الملكة كليوبترا عام 30 ق.م . و اللافت ان احتلال المقدونيين لاراضي المشرق لم يكن مجرد حدث تاريخي زال بزوال صاحبه (الاسكندر), و انما كان صدمة حضارية نشأت على اثرها عملية (مثاقفة) خلاقة بين حضارتين, وهما الحضارة اليونانية ( او الاغريقية او الهيلينية) من جهة, و الحضارات المشرقية المحلية التي كانت قائمة في سورية و مصر من جهة ثانية, و هذا ماأدى الى انبثاق حضارة جديدة هي الحضارة الهيلينستية(أي اليونانية المشرقية) في المنطقة, و قد دامت هذه الحضارة ثلاثة قرون و نيف ( بين عام 332 ق.م و حتى عام 63 ق.م في سورية, و عام 300 ق.م في مصر).
و هكذا فإن الحضارة الهيلينستية بالرغم من انها كانت حضارة ناطقة باليونانية فإنها كانت تحمل في الوقت نفسه كثيرا من المعطيات الفينيقية و ا لسريانية و الارامية و الفرعونية القديمة. و يظهر هذا واضحا في النزعة الشاملة الانسانية(الكوزموبوليتية)للعالم, وهذا امر لم يكن موجودا في الحضارة اليونانية المركزية.
و في فترة ازدهار الحضارة الهيلينستية ( وهي الفترة الممتدة بين 25050ق.م )ظهر فلاسفة و علماء موسوعيون و شعراء مبدعون في كل من سوريةو مصر, و بالرغم من ان هؤلاء كتبوا باليونانية غير انهم تأثروا تأثرا واضحا بثقافة بلدانهم الاصلية, وكما انه من حق الثقافة السورية و المصرية ان تعتبرهم جزءاً منها, فإن من حق الثقافة السورية والمصرية ان تعتبرهم كذلك ايضا .
و مثل عملية المثاقفة الابداعية و الخلاقة هذه حدثت في الدولة العربية الاسلامية فيما بعد حين ابدع اطباء و فلاسفة من اصول فارسية او تركمانية مثل الفارابي وابن سينا و الخوارزمي و الرازي, و كانت لغة ابداعهم العربية, فهؤلاء الاطباء و الفلاسفة يشبهون في حالتهم حالة الفلاسفة و الادباء في العصر الهلينيستي, و كل ما هنالك من فرق هو اننا كنا نصور المبدعين في الحالة الاولى و اصبحنا نستوردهم في الحالة الثانية.
و قد يتساءل بعض القراء عن فائدة البحث في حضارة العصر الهيلينستي, و الجواب هو بكل صراحة لاننا لم نوف هذا العصر حقه في الدراسة, سواء في الجانب التاريخي ام في الجانب الادبي : ففي الجانب التاريخي اذكر اننا درسنا في قسم التاريخ بجامعة دمشق التاريخ اليوناني و التاريخ الروماني والتاريخ البيزنطي, و لكننا لم ندرس بتاتا التاريخ الهيلينستي. و في قسم الادب الفرنسي درسنا الاداب الكلاسيكية من يونانية (هوميروس..) ولاتينية(شيشرون) ولكننا لم ندرس كلمة واحدة عن الادباء و الشعراء و الفلاسفة في العصر الهيلينستي.
و قد تسنى لكاتب هذه السطور اثناء اقامته في كندا و امريكا خلال السنوات الخمس الاخيرة ان شاهد في مكتباتهما العامة مئات المؤلفات و عشرات الرسائل العلمية (اطروحات دكتوراه, رسائل ماجستيرودبلومات عليا ) تتحدث كلها عن العصر الهلينيستي في سورية ومصر بفلاسفته و علمائه و شعرائه و فنانيه, و قد طوبت هذه الدراسات اسم الشاعر السوري ميليا غروس على انه رائد المدرسة السورية في الشعر و اعتبرت العالم و الفيلسوف بوسيدوتيوس العالم الموسوعي الاول, حيث بحث في جميع العلوم المعروفة في عصرنا هذا, كما ان تحليلهم للمعلومات الفلكية الواردة في كتاب الظواهر جعلتهم يطلقون على فوهة كبرى في القمر اسم Aratusالذي الف هذا الكتاب, ويضاف الى هذه الاسماء اسم الفيلسوف الشاعر فيلوديموس الذي تحمل اسمه عدة مدرجات و قاعات جامعية اليوم.
و يقابل هذا اننا لا نجد في اللغة العربية الا بضع صفحات و احيانا عدة سطور عن هؤلاء, كما فعل الدكتور فيليب حتي في كتابه تاريخ سورية قبل نصف قرن من الزمن . و بما ان اغلبية المبدعين السوريين في العصر الهيلينستي صاغوا ابداعاتهم, بما فيها تلك التي تتعلق بالعلوم و الفلسفة, شعرا فإننا ندعو المسؤولين عن الثقافة في سورية, و المهتمين بالشؤون الثقافية فيها, الى تكليف لجنة متخصصة تجمع كل هذه الابداعات الشعرية سواء أكانت مكتوبة في لغتها الاصلية, ام مترجمة الى لغة اخرى, وذلك ضمن سفر شعري واحد (انطولوجيا), مع ترجمة هذه الاعمال جميعا الى العربية لانها تشكل جزءاً من تراثنا الثقافي على مر العصور .
و سنعمل من جهتنا على التعريف بأهم هؤلاء المبدعين السوريين الذين يمكن تصنيفهم ضمن فئتين:
اولا : في شؤون الثقافة و العلوم الموسوعية : و نذكر في هذا المجال ثلاثة من المبدعين:
> زينون الصيداوي : وهو صاحب المدرسة التي نشرت الفلسفة الابيقورية في بلاد اليونان.
> بوسيد وينوس : وهو عالم موسوعي بحث في اغلب العلوم التي نعرفها اليوم.
> فيلوديموس : وهو شاعر و فيلسوف من اصحاب الفلسفة الرواقية.
ثانيا: في شؤون الادب و الشعر: و نذكر في هذا المجال ستة شعراء يختص كل منهم في مجال معين وهم:
> ميليا غروس: في مجال الشعر و الغزل
> انتيباتر الصيدوني: في مجال الشعر الاجتماعي.
> بيون الازميري:في مجال الشعر الرثائي.
> بابريوس : في مجال الشعر الفلسفي الواردعلى ألسنة الحيوانات و النباتات.
> آراتوس : في مجال الشعر العلمي و خاصة الفلكي منه.
> آرخياس الانطاكي:في مجال الشعر الهزلي.
و نأمل الكتابة عن هؤلاء واحداً اثر واحد في مستقبل الايام.
جريدة الثورة