مظفر النوّاب
مظفر النواب شاعر عربي واسع الشهرة ، عرفته عواصم الوطن العربي شاعراً مشرداً يشهر أصابعه بالاتهام السياسي ، لمراحل مختلفة من تاريخنا الحديث...
وقد جاءت اتهاماته عميقة وحادة وجارحة وبذيئة أحياناً.. انه يصدر عن رؤية تتجذر معطياتها في أعماق تاريخ المعارضة السياسية العربية ، وتمتد أغصانها في فضاء الروح حتى المطلق.
هو مظفر بن عبدالمجيد النواب ، والنواب تسمية مهنية ، وقد تكون جاءت من النيابة ، أي النائب عن الحاكم ، إذ كانت عائلته في الماضي تحكم إحدى الولايات الهندية.
فهذه العائلة العريقة ، بالأساس ، من شبه الجزيرة العربية ، ثم استقرت في بغداد ، لأنها كانت من سلالة الإمام الورع موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ، الذي مات غيلة بالسم في عصر الخليفة هارون الرشيد ، فهاجرت العائلة ومن يلوذ بها الى الهند باتجاه المقاطعات الشمالية: بنجاب-لكناو-كشمير. ونتيجة لسمعتهم العلمية وشرف نسبهم ، أصبحوا حكاماً لتلك الولايات في مرحلة من المراحل.
وبعد استيلاء الإنكليز على الهند ، أبدت العائلة روح المقاومة والمعارضة المباشرة للاحتلال البريطاني للهند ، فاستاء الحاكم الإنكليزي من موقف العائلة المعارض والمعادي للاحتلال والهيمنة البريطانية ، وبعد قمع الثورة الهندية-الوطنية عرض الإنكليز على وجهاء هذه العائلة النفي السياسي على ان يختاروا الدولة التي تروق لهم ، فاختاروا العراق ، موطنهم القديم ، حيث تغفو أمجاد العائلة على حلم الحقيقة ونشوة الماضي الشريف والعتبات المقدسة.. فارتحلوا الى العراق ومعهم ثرواتهم الكبيرة من ذهب ومجوهرات وتحف فنية نفيسة.
ولد مظفر النواب في بغداد-جانب الكرخ في عام 1934 من أسرة ثرية أرستقراطية تتذوق الفنون والموسيقى وتحتفي بالأدب. وفي أثناء دراسته في الصف الثالث الابتدائي اكتشف أستاذه موهبته الفطرية في نظم الشعر وسلامته العروضية ، وفي المرحلة الإعدادية أصبح ينشر ما تجود به قريحته في المجلات الحائطية التي تحرر في المدرسة والمنزل كنشاط ثقافي من قبل طلاب المدرسة.
تابع دراسته في كلية الآداب ببغداد في ظروف اقتصادية صعبة ، حيث تعرض والده الثري الى هزة مالية عنيفة أفقدته ثروته ، وسلبت منه قصره الأنيق الذي كان يموج بندوات ثقافية ، وتقاد في ردهاته الاحتفالات بالمناسبات الدينية والحفلات الفنية على مدار العام.
بعد عام 1958 ، أي بعد انهيار النظام الملكي في العراق ، تم تعيينه مفتشاً فنياً بوزارة التربية في بغداد ، فأتاحت له هذه الوظيفة الجديدة تشجيع ودعم الموهوبين من موسيقيين وفنانين تشكيليين ، لئلا تموت موهبتهم في دهاليز الأروقة الرسمية والدوام الشكلي المقيت.
في عام 1963 اضطر لمغادرة العراق ، بعد اشتداد التنافس الدامي بين القوميين والشيوعيين الذين تعرضوا الى الملاحقة والمراقبة الشديدة ، من قبل النظام الحاكم ، فكان هروبه الى إيران عن طريق البصرة ، إلا ان المخابرات الإيرانية في تلك الأيام (السافاك) ألقت القبض عليه وهو في طريقه الى روسيا ، حيث أخضع للتحقيق البوليسي وللتعذيب الجسدي والنفسي ، لإرغامه على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها.
في 28/12/1963 سلمته السلطات الإيرانية الى الأمن السياسي العراقي ، فحكمت عليه المحكمة العسكرية هناك بالإعدام ، إلا ان المساعي الحميدة التي بذلها أهله وأقاربه أدت الى تخفيف الحكم القضائي الى السجن المؤبد.
وفي سجنه الصحراوي واسمه (نقرة السلمان) القريب من الحدود السعودية-العراقية ، أمضى وراء القضبان مدة من الزمن ثم نقل الى سجن (الحلة) الواقع جنوب بغداد.
في هذا السجن الرهيب الموحش قام مظفر النواب ومجموعة من السجناء السياسيين بحفر نفق من الزنزانة المظلمة ، يؤدي الى خارج أسوار السجن ، فأحدث هروبه مع رفاقه ضجة مدوية في أرجاء العراق والدول العربية المجاورة.
وبعد هروبه المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد ، وظل مختفياً فيها ستة أشهر ، ثم توجه الى الجنوب (الأهواز) ، وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة. وفي عام 1969 صدر عفو عن المعارضين فرجع الى سلك التعليم مرة ثانية.
عادت أغنية الشيطان مرة ثانية.. حيث حدثت اعتقالات جديدة في العراق ، فتعرض مظفر النواب الى الاعتقال مرة ثانية ، إلا ان تدخل علي صالح السعدي أدى الى إطلاق سراحه.
غادر بغداد الى بيروت في البداية ، ومن ثم الى دمشق ، وراح ينتقل بين العواصم العربية والأوروبية ، واستقر به المقام أخيراً في دمشق.
كرس مظفر النواب حياته لتجربته الشعرية وتعميقها ، والتصدي للأحداث السياسية التي تلامس وجدانه الذاتي وضميره الوطني.
• وهذه 23 قصيدة للشاعر وأعد قراء المنتدى بالمزيد قريبا ً
موت العصافير
على دكة مولاي أبي الليل
يا مسيل الفرس الزرقاء الغسق
وعلى سرجك ينثال رماد الليل والغمد
موشى بعراكات العصافير
وفجر المشمش الأزرق
مسترخ على راحة أقدامك
ووراء القمر الفج
أوت كل العصافير إلى جمجمة الحجاج
لن تعثر على جذوة تهديد
وأعينها تاهتز صغيرات بأقصى محجريه الثقافيين
غدا كل العصافير تموت
بنفسج الضباب
حبيبتي...
أشم زنديك العروسين
وعقم الليل في فراشنا
والهمس
أنا أرى باللمس
ما عاد غير اللمس
مدينة يكذب فيها الناس على أنفسهم
تقول في أسوأ أوضاع لها
لا بآس
تموت فيها الشمس
حبيبتي...
ترنيمات استيقظت ذات يوم
كيس رمل بصمت المتاريس قلبي
مفاصل عشق مخلعة في الخراب
تفتش عن أحد
أحدق..أفديه
عن وصال صغير
إني محدق في هجرة ما فهمت
ومن يفهم الحب
أنت التفت يا فارغ الحقول وعمري
التفت
جاوز الجرح
تل الزعتر
هذي الأرض تسمى بنت الصبح
نساها العرب الرحل عند المتوسط
تجمع ازهار الرمان
وساروا باديتين
ولما انتهوا وجدوا كل سقوط العالم فيها
قالوا مرثية
أيهم الميت إن القبر يزخرف
ام تكثرت الشاة لشكل السكين
نشاز مكتمل
ثدي في الأرض
دوامة النورس الحزين
نورس .. أصطيد ووضع في قفص الدجاج
النورس الحزين
لم يصدق أنه في قفص الدواجن
تذكر المحيط يلصق الدجى بصمته
والموج شب لؤلؤا قساح فضة
فنام في القرار هادئا كأجمل المعادن
فضض ريشه كزهرة الثلج على احتضاره
ولم حوله أشرعة الخيال والضباب والمدى
وضجة السفائن
فمات في موكبه البحري رغم سجنه الصغير وارتج على
الدجاج أجراس الرذاذ؟
طلقة ثم الحدث
الدراج الأرجوان الذي يفضي إلى بيت الرضى الليلي
أطفأت دموعي فوقه منتشي بالخشب العابق بالحزن
وقبلت خطى أيامي الأولى على درجاته
درحاته ذابت جفوني
أحرس النقطة
ما فرطت بالنقطة يا من فرطوا بالنهر
نفسي لم تعد تغلق مما بلغ الحزن بها ابوابها
كنت نسيجي وحده
والعشق كان الغرزة الأولى
وفي الساعة حدسين تماما
رباعيات
طائف قد طاف بي في غيهب السحر
ساكبا في عدم يصخب كأس العمر
صحت يا مولاي ما هذا الذي تفعله
شرز المولى فذهبت مهجتي بالشزر
قمت مذهولا إلى إبريق خمري ثملا
علني أطفيئ نيران ارتباكي بالطلا
سكب الإبريق كأسي نضوبا ضامتا
آه مولاي فراغ الكأس بالصمت إمتلى
أنقر الكأس إذا ما نضبت واشرب رنين
فهي ما ضمت سوى خمرتها عبر السنين
فإذا أنبك العشق يا عشق...فضجات
عبداللّه الإرهابي
الليل و عبدالله أقارب
العرق البارد والنار و حزن الأيام
وعبد الله أقارب
يفهم في اللج
وأفضل من يصنع مجدافين ولا يملك قارب
يدفع جفنيه يقاتل لولا الصف البطلي
يزيح الجدران
يصاهر نار الأيام
أحبك يا عبد الله لنفسك غاضب
وعلى نفسك غاضب
رشاشك يعقد قمته منفردا ونعالك في قمتهم
صرة الفقراء
أفل الليل
وكبرق في الأفق الشرقي يوازي السعف
يوازي همسات السعف
وثمة طير منكفئ تدفعه الريح
ورأسك في الطين البارد ساكنه
ترتاح إلى حجر
ارحم من هذي الدنيا وسفالتها
فالعالم آلة إيذاء
لا تتغير بعد الآن ولا الأرض
فانك بالاسم الأول أحلى الأسماء
اقسم إنك انك تلتفت الآن إلى بلد الموت
ثلاثة أمنيات
مرة أخرى على شباكنا تبكي
ولا شي سوى الريح
وحبات من الثلج على القلب
وحزن مثل أسوق العراق
مرة أخرى أمد القلب
بالقرب من النهر زقاق
مرة أخرى تحني نصف أقدام الكوابيس...بقلبي
أضيء الشمع وحدي
وأوافيهم على بعد وما عدنا رفاق
لم يعد يذكرني منذ اختلقنا أحد غير الطريق
صار يكفي
الأساطيل
إيه الأساطيل لا ترهبوها
قفوا لو عراة كما لو خلقتم
وسدوا المنافذ في وجهها
والقرى والسواحل والأرصفة
انسفوا ما استطعتم إليه الوصول
من الأجنبي المجازف واستبشروا العاصفة
مرحبا أيها العاصفة..
مرحبا...مرحبا...مرحبا أيها العاصفة
مرحبا أيها العاصفة...
ارقوا أطقم القمع من خلفكم
فالأساطيل والقمع شيء يكمل شيئا
اعترافان في الليل
في الهجر
جفاني اللؤلؤ
في الوصل
رعاني الصدف
كن أنت حضوري
مولاي!
تعذبني الصدف
لوثني عسل الليل
وغما قميصي الصيفي
ونهنهتي السعف.
وتمارس كلّ فراشات المرج
البقاع....البقاع
لم يعد في المحطة إلا الفوانيس خافتة
وخريف بعيد...بعيد
وتترك حزنك بين المقاعد ترجوه يسرق
تعطي لوجهك صمتا كعود ثقاب ندي
بإحدى الحدائق
إن فرشت وردة عينها يشتعل
وتجوز خط الحديد
كأنك كل الذين أرادوا الصعود ولم يستطيعوا
أو انتظروا
أو كهاو اكتظ دفتره بالدموع
دموعك صمت
الرحلات القصية
لكل نديم يؤرق
والقلب مل نديمة
كأني عشق تذوق طعم الهزيمة
دخلت وراء السياج
فآه من الذل في نفحة الياسمين
زكي ويعرف كل الدرب القديمة
وآه من العمر بين الفنادق
لا يستريح
أرحني قليلا فإني بدهري جريح
لكم نضج العنب المتأخر
وان طرقت بعض حباته
جزر الملح
الآن ....
والعلم برتقالة
تدور في بنفسج الأرواح
من قوة ذاك السائل الوحشي في أعماقها
تفتح تلك الشفرة العديمة الألوان للبوح
على غرائز وجهك الذابل من أعوامي
ليلتين في السرير
وصمتك المرتاب طائر مقيد صغير
تم احتضار العالم القديم
وارتخت قبضته
لم يبق إلا طلقة الرحمة في جبينه الجنائزي
مرثية لأنهار من الحبر الجميلة
يسافر في ليلة الحزن
صمتي
غيوما
تتبعته ممطرا
واشتريت دروب المتاعب ألوي أعنتها فوق رسغي
ليالي أطول من ظلمات الخليقة
خال سوى من فتات من الصبر
في ركن زاويتي
والدجى ممطر
أأنت الوديع كساقيه
في الحانة القديمة
المشربُ ليس بعيداً
ما جدوى ذلكَ، فأنتَ كما الاسفنجةِ
تمتصُ الحاناتِ ولا تسكر
يحزنُكَ المتبقي من عمرِ الليلِ بكاساتِ الثَملينَ
لِماذا تَركوها ؟ هل كانوا عشاقاً !
هل كانو لوطيين بمحضِ إرادَتِهمْ كلطاءاتِ القمة؟
هل كانت بغي ليس لها أحد في هذي الدنيا الرثة؟
وَهَمستَ بدفء برئتيها الباردتين...
أيقتلكِ البردُ ؟
انا .... يقتلني نِصفُ الدفئِ.. وَنِصفُ المَوقِفِ اكثر
سيدتي نحن بغايا مثلكِ....
قراءة في دفتر المطر
إنني أحمل قلبي كبرتقالة مضى الموسم ولم تنضج, وأعطت زهر
البرتقال , وفيها رائحة شمس البارحة
إلى أحمد صديقا من الشياح"
في الليل , يضيع النورس في الليل
القارب في الليل
وعيون حذائي تشتم خطى امرأة في الليل
امرأة , ليست أثر من زورق لعبور الليل
يا امرأة الليل , أنا رجل حاربت بجيش مهزوم
في قلبي صيحة بوم
وأخيرا...
صافح قادتنا الأعداء , ونحن نحارب
قصيدة من بيروت
واقف في الخراب أثنيه
عاش جلالتكم
مرة ينبت العقم ضد القوانين
يحترم الانحطاط كرامته
يقف القبر منحنيا من جلال الولاة بالجهض
هذا الفساد الحضاري يلهمني
أتحول من خيبتي إلى حلزونا
يعشش في مستبسلا
وتطور في المشارط علم الجراحة
من كل هذا الجمال المهدم
صرح سليمان يبنى
قل هي البندقية أنت
الدجى والمدى جنحه
نجمة للصباح الجميل
كرياح الأعالي إختفى
ما أحسست به غير زيتونة
ألف قلب على كل غصن بها
في الجليل
شفرته إلى الأرض
فارتفعت فقبلت قدميه
لقد جاء في الزمن المستحيل
يمطر الجو مما غزارته والشياب
ويلتمس اللّه مرضاته
يا قاتلتي
يا قاتلتي بكرامة خنجرك العربي
أهاجر في الفقر
وخنجرك الفضي بقلبي.. وأولادي
عشقتني بالخنجر.. والأجر بلادي
ألقيت مفاتيحي في دجلة
أيام الوجد وما عاد هنالك
في الغربة مفتاح يفتحني
ها أنذا أتكلم من قفلي
من أقفل بالوجد وضاع على أرصفة الشارع سيفهمني
من كان مخيم يقرأ فيه القرآن
بهذا المبغى العربي سيفهمني
القدس عروس عروبتكم
في هذي الساعة في وطني،
تجتمع الأشعار كعشب النهر
وترضع في غفوات البر"
صغار النوقً
يا وطني المعروض كنجمة صبح في السوق
في العلب الليلية يبكون عليك
ويستكمل بعض الثوار رجولتهم
ويهزون على الطبلة والبوقْ
أولئك أعداؤك يا وطني!
من باع فلسطين سوى أعدائك أولئك يا وطني ؟
سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام
بكائية على صدر الوطن
الحركة الثانية
في تلك الساعة .. حيث تكون الروضة فحل حمام
في جبل مهجور
وأضم جناحي الناريين على تلك الأحذية السرية
واريح التفاح الوحشي
يعض كذئب ممتلىء باللذة
كنت اجوب الحزن البشري .. الأعمى
كالسرطان البحري
كأني في وجدي الأزلي
محيط يحلم آلاف الأعوام
ويرمي الأصداف على الساحل