جلطة الأوردة الدموية العميقة .. خطر يهدد حياة الإنسان
يتكون الدم البشري من خلايا متعددة يحملها سائل البلازما، ولكل نوع من الخلايا وظائف محددة، فالخلايا الحمراء تحمل الأوكسجين، والخلايا البيضاء هي المسؤولة عن المناعة، أما الصفائح الدموية فهي مسؤولة عن عدم تجلط الدم.
والدورة الدموية في الإنسان تبدأ من ضخ القلب للدم من البطين الأيسر عن طريق الشريان الأبهر، ثم إلى بقية شرايين الجسم التي تحمل الدم إلى جميع أجزاء وخلايا الجسم، ومن ثم يعود الدم عن طريق الأوردة الدموية المتفرعة إلى الأوردة الدموية العميقة التي تمر بين عضلات الجسم المساعدة، لضخ الدم لها إلى أعلى الجسم وثم إلى الأذين الأيمن في الجهة اليمنى من القلب ثم البطين الأيمن.
ومنه يضخ الدم إلى الرئة عن طريق الشريان الرئوي، وفي الرئة يتبادل الدم الأوكسجين ثم يعود مرة أخرى عن طريق الأوردة الرئوية إلى الجهة اليسرى من القلب وبالتحديد الأذين الأيسر ثم إلى البطين الأيسر ثم تعود الدورة الدموية من جديد.
تجلط الدم حالة مرضية يتم فيها تحول الدم من الحالة السائلة الطبيعية إلى حالة شبه متجمدة، يتوقف على إثرها سريان الدم داخل الأوردة الدموية العميقة. وهو من الأمراض الشائعة والخطيرة الذي قد يتطور إلى جلطة في شرايين الرئة قد تؤدي إلى الوفاة.
جلطة الأوردة الدموية العميقة DVT (مرض تخثر الأوردة) تعتبر واحدة من أشد المخاطر التي يتعرض لها المرضى سواء داخل المستشفيات أو خارجها.
وتتراوح نسبة الوفيات الناتجة عن الجلطة الوريدية العميقة (الانسداد الرئوي) داخل المستشفيات ما بين 10%- 12%.وذكرت النشرات العلمية أن حوالي 60% - 70% من حالات الإصابة بأمراض تخثر الأوردة لم تشخص إكلينيكياً، بل تم اكتشافها بعد الوفاة من خلال عملية تشريح الجثمان، وهناك نسبة 70% من حالات الوفاة الناتجة عن الإصابة بالجلطة الوريدية الرئوية (الصمّة الرئوية المميتة) والتي تم اكتشافها بعد الوفاة من خلال التشريح الجسدي، كانت إما لم يتم تشخيصها أو لم يكن وجودها في الحسبان أصلا قبل الوفاة.
إن الإصابة بالجلطة الوريدية (مرض تخثر الأوردة العميقة) هي واحدة من أكثر الأسباب التي يمكن تجنبها، شيوعاً، بين حالات الوفيات بالمستشفيات.
ويتوفى ما يقارب المائتي ألف شخص في كل عام في الولايات المتحدة الأميركية من مضاعفات الجلطة الوريدية وهذا العدد أكبر من وفيات أمراض السرطان ونقص المناعة المكتسب (الإيدز) والحوادث مجتمعين.
عوامل رئيسية للتجلط
لجلطة الأوردة الدموية العميقة مسببات رئيسية تندرج تحتها حالات خاصة ومتعددة:
1- عوامل تؤدي إلى تلف الجدار المبطن الخاص للأوردة الذي يمنع التجلط.
2- عوامل تؤدي إلى ركود الدم داخل الأوردة الدموية العميقة.
3- عوامل تؤدي إلى زيادة تجلط الدم عن المعدل الطبيعي داخل الأوردة.
أولا: العوامل التي تؤدي إلى تلف الجدار المبطن الخاص للأوردة الذي يمنع التجلط، منها:
- الإصابات والحوادث المباشرة التي تؤدي إلى تهتك العضلات والأوردة العميقة.
- الرياضة العنيفة المؤدية إلى تلف وإجهاد العضلات.
- الضغط الخارجي على الساقين والفخذين (في منطقة عضلة السمانة خصوصاً) مثل العمليات الجراحية المعقدة، التخدير العام لفترة طويلة، وضع الجبيرة لمدة طويلة.
العمليات في المفاصل.
وجود جلطة عميقة قديمة التي قد تؤدي مع شفائها، إلى خشونة وضيق في الوريد العميق مما يساهم في زيادة احتمال حدوث جلطة حديثة.
ثانياً: العوامل المؤدية إلى ركود الدم داخل الأوردة الدموية العميقة، منها:
- الركود فترة طويلة من دون حركة وملازمة السرير فترة طويلة كما في حال التنويم في المستشفيات لأسباب مختلفة.
- التخدير للعمليات الجراحية لفترة طويلة.
وضع الساق أو الرجل في الجبس لمدة طويلة لأن توقف الرجل عن الحركة لفترة طويلة كما هو الحال في الجلوس في الكراسي الضيقة للدرجة السياحية للطائرات أو حافلات نقل الركاب أو السيارات أثناء السفر لفترة طويلة.
ثالثاً: العوامل التي تؤدي إلى زيادة تجلط الدم داخل الأوردة عن المعدل الطبيعي
إن تجلط الدم هو وظيفة طبيعية، الهدف منها إيقاف أي نزيف يحدث من أي إصابة بالجسم.
وكلنا يلاحظ كيف ينزف الجرح الجلدي البسيط عند حدوثه، ثم يتوقف هذا النزيف بالضغط عليه أو من تلقاء نفسه.
ويتم ذلك بواسطة سلسلة من التفاعلات الحيوية بين مجموعة من العوامل، تقابلها في الناحية الأخرى مجموعة أخرى من المواد التي تمنع التجلط ووظيفتها حصر أي تفاعلات التجلط الحيوية وتكوين جلطة في مكان الإصابة دون أن تمتد إلى داخل الأوعية الدموية الطبيعية.
إن أي خلل أو نقص في هذه المواد التالية يؤدي إلى تجلط الدم، وهي:
- نقص في بروتين «سي»Protein C
- نقص في بروتين «إس» Protein S
- مضاد الثرومبين الثالث (Anti Thrombine III)
- نقص في مادة اللايدن الخامسة (Factor 5 Laidine) وغيرها.
أعراض جلطة الأوردة العميقة
جلطة الأوردة الدموية العميقة قد تحدث من دون أي أعراض ودون أن يدري بها المريض، وتعرف بعد ذلك من أحد مضاعفاتها كالجلطة الرئوية الحادة أو متلازمة ما بعد الجلطة. فإن ظهرت بعض الأعراض فإنها تعتمد على مكان وسبب تكون الجلطة وامتدادها:
- الألم: قد يكون متوسطا أو شديدا يمنع المشي، والأكثر شيوعاً أن يسبب صعوبة في المشي دون أن يمنع المشي تماماً.
- التورم: يعتمد على مكان الجلطة، فجلطة الوريد الرئيسي تؤدي إلى تورم أحد الساقين أو الفخذين أكبر من الآخر الطبيعي، وهذا التورم قد يكون بسيطا ولا يكتشف بالعين المجردة إلا فقط بالقياس في الطرفين، وقد يكون التورم واضحاً للعين وللقياس.
- ارتفاع طفيف في درجة الحرارة.
التشخيص
تشخيص جلطة الأوعية الدموية العميقة تبدأ بأخذ تاريخ المرض والسؤال عن الأسباب والعوامل التي قد تؤدي إلى حدوث الجلطة مثل العمليات الجراحية، السفر مدة طويلة، الحمل والولادة، استخدام أدوية موانع الحمل، حدوث جلطة عميقة في الماضي، وجود سرطان، أو وضع القدم في الجبيرة، حدوث الجلطة أو ما يقابلها في أحد أفراد العائلة.
أما الفحص السريري، فإنه غير دقيق ولكن يعتمد في الحالات التي يظهر فيها الانتفاخ على قياس الفرق ما بين الرجلين ثم المؤشرات الحيوية،مثل سرعة التنفس والضغط والنبض والحرارة.
أدوات التشخيص
- الأشعة الصوتية للأوردة العميقة (الدوبلكس الملون): هذا الفحص يعتبر الآن من أساسيات تشخيص الجلطة العميقة وتقييم الحالة وشدتها ونوع الإصابة وامتدادها والحاجة إلى العلاج في المستشفى أو في المنزل.
وهو فحص بسيط لا يتطلب تحضيرا مسبقا من صيام أو خلافه، كما لا يتضمن حقن صبغات داخل الأوردة والتي قد تسبب حساسية أو تفاعلات جانبية.
وتعتبر الأشعة الصوتية للأوردة العميقة على درجة عالية من الدقة في تشخيص جلطة الأوردة الدموية العميقة للأطراف السفلية والعلوية.
- الأشعة المقطعية الحلزونية مع تعدد المقاطع: وتعتبر حالياً هي الأساس في تشخيص جلطات الرئة بالإضافة إلى جلطات الأوردة الدموية التي في البطن والحوض.
- الفيكيو سكان (V/Q Scan): وهو تشخيص إشعاعي للأوعية الدموية والتنفسية للرئتين ويعتبر بديلا للأشعة المقطعية الحلزونية في حالة أن المريض لديه قصور في وظائف الكلى أو وجود حساسية للصبغة.
المجموعة السعودية للجلطات
ولأهمية هذا المرض (الجلطة الوريدية العميقة) والجلطة الانسدادية الرئوية وارتفاع نسبة تفشيهما في المستشفيات والمجتمعات نشأت المجموعة السعودية للجلطات والانسداد الوريدي الرئوي المنبثقة من الجمعية السعودية لطب وجراحة الصدر والتي سوف تعنى بالتصدي لهذا المرض في السعودية.
وأهداف المجموعة هي دراسة وحصر نسبة حصولها في مستشفيات المملكة، ومن ثم عمل الدراسات اللازمة لخفض هذه النسب ولتوعية الأطباء والمجتمع بكيفية تجنب مثل حدوث الجلطات وفي حالة حدوثها ما هي أفضل الطرق لتشخيصها وعلاجها، إضافة إلى عقد المحاضرات التثقيفية، والندوات العلمية التوعوية.
العلاج
إن الوقاية من تجلط الأوردة الدموية العميقة هو أفضل علاج لهذا المرض. والوقاية من جلطة الأوردة العميقة تكون بتفادي العوامل التي تؤدي إلى التجلط وتجنب الجلوس لفترة طويلة بدون حركة وكذلك أهمية إعطاء الأدوية الوقائية ضد التجلط في حالة حدوث كسور أو إجراء عمليات جراحية.
وفي حالة تشخيص الجلطة ينصح هنا ببرنامج علاج طبي أو جراحي بواسطة الطبيب المختص.
إن استخدام العلاج الوقائي للأشخاص المعرضين لاحتمال الإصابة بالجلطة الوريدية العميقة هو أكثر الاستراتيجيات نجاحاً من أجل ضمان تحسين فرص السلامة للمرضى المنومين، ومن ثم الاستخدام السليم والمناسب للعلاج الوقائي من الجلطات سوف يقلل من حالات الإصابة بالمرض، ومن ثم يقلل من حجم الإنفاق على الرعاية الصحية.
يجب فحص وتقييم حالات المرضى المنومين خلال مكوثهم بالمستشفى ممن هم في سن الرابعة عشرة فما فوق للتأكد من مدى احتمال تعرضهم للإصابة بهذا المرض.
وبالتالي يجب إعطاؤهم العلاج الوقائي المناسب ويجب الأخذ في الاعتبار توفير الخدمة الإسعافية والتعجيل بالحركة المبكرة لجميع المرضى بمجرد أن تسمح حالاتهم السريرية بذلك.