محمد القصير
الأحد 26 نيسان 2009
حمل معه آمالاً كبيرة، وعشقاً في طلب المعرفة، ترك جامعته وهو في السنة الأولى، ليعمل في "الكويت" عامل "كمبريسة" للحفر، سافر بعدها إلى ألمانيا الغربية، ومنها إلى الولايات المتحدة الأميركية، إنه الدكتور "علي المير أحمد" العائد من بلاد الاغتراب، وهو اليوم مستشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي GSR لتطوير الخدمات الحكومية.
eSyria التقى به يوم الأربعاء 22/4/2009، وكان الحوار التالي:
لكل إنسان بداية، وانطلاقة نحو المجهول، والمجهول قد يكون معلوماً لرجل رفض أن يعيش على الهامش، وها هو الدكتور "علي " يتذكر مرحلة الطفولة، فيقول: «درست الابتدائية في مدرسة "الطالبية" بعدها دخلت إعدادية "قتيبة بن مسلم الباهلي" وأنهيت الدراسة الثانوية في ثانوية "علي بن أبي طالب"».
وعن المرحلة الجامعية يقول: «دخلت جامعة "دمشق" في كلية العلوم قسم الجيولوجية، درست السنة الأولى، لكن هاجسي كان يدفعني خارج الحدود، وأذكر أنني قبضت /100 ليرة سورية/ من التدريب الجامعي، فاستخرجت جواز سفر بـ /86 ليرة سورية/، حملني هذا الجواز إلى دولة الكويت».
وعن رحلته الأولى خارج سورية يقول: «عملت سائق شاحنة، وكذلك في ورشة للحديد، ثم أصبحت عاملاً على "الكمبريسة" ثم تطور الأمر لأعمل في إصلاح مصافي النفط، وهنا انتبه لي خبير أمريكي، وكان يطلب من أحد أن يتكلم إليه بلغته، فكنت أنا، فاستغرب لماذا أعمل في الحديد، فنقلني إلى العمل الإداري».
ويضيف: «بالنسبة لي كانت رحلتي إلى الكويت مجرد درجة للانتقال إلى درجة أعلى، راهن الكثيرون على أنني لن أترك الكويت لأن المال يغري، ولكنهم خسروا الرهان، كنت طوال هذه المدة أراسل الجامعات الألمانية، وكانت وجهتي إلى ألمانيا الغربية بعد ثلاث سنوات من العمل في الكويت».
والسبب الذي جعله يختار ألمانيا دوناً عن غيرها، هو أن الدراسة هناك كانت مجانية، حتى للأجانب، فلا يوجد أقساط جامعية، وهنا يقول: «بدأت رحلة الدراسة الحقيقية في ألمانيا، في جامعة "برلين" التقنية، وكانت هذه الكلية مستحدثة آنذاك، وكنت أول سوري برفقة الصديق "نصر خوري" ندرس في هذه الكلية».
وسألناه عن النشاطات التي مارسها أثناء تواجده في ألمانيا، فقال: «لقد أعدنا إحياء النشاطات الطلابية العربية هناك، وقمنا بتشكيل جمعية الطلبة السوريين، وانتخب الصديق "عامر داغستاني" أول رئيس للجمعية، وكذلك شقيقه "نضال" الذي تسلم رئاسة "جمعية الصداقة السورية الألمانية"».
وعن التميز الذي اشتهر به الطالب السوري هناك يقول: «كان الطالب السوري متميزاً في كل شيء، حتى في حالة اندماجه مع المجتمع الغربي، فمثلاً الدكتور "عامر داغستاني" حصل على براءة
د. "علي المير أحمد"
اختراع في اكتشاف خليطة معدنية، كذلك كان معنا طالب سوري من "اللاذقية" واسمه "هشام أرناؤوط" همّه الوحيد الغناء، كان يدندن على آلة العود، لكننا اكتشفنا بعد فترة أنه حصل على براءة اختراع لجهاز قياس نسبة السكر في الدم، وهناك أسماء عديدة أذكر منها "يوسف أبو عباد" من "طرطوس" وكان هذا كادحاً حقيقياً، عملنا معاً في أحد المطاعم في جلي الصحون، وتنظيف الأرض، وأذكر أيضاً الصديق "إدمون اسحق" وهو من "الحسكة"».
والدكتور "علي المير أحمد" لم يتزوج من ألمانيا، لأنه لم يقتنع بذلك، وهنا يقول: «لي قناعة في هذا الاتجاه، فأنا أرى أن المرأة هناك جيدة، كذلك نحن، هذا إن بقينا مع بعض في حدود الصداقة، لا أكثر، لكل منا عالمه الخاص، بيئته، وإن جمعتنا الدراسة والمشاوير سوية، لكل شيء حساباته، من هنا كنت على قناعة ألا أتزوج من امرأة غربية، ليس خوفاً من عدم العودة إلى الديار، ولكن هناك شيء ما حجبني عن هذه الخطوة.. إن تزوجت من امرأة غربية فإن أحدنا سيتعرض للظلم، لأنني أعرف أنني سأعود يوماً إلى بلدي».
وسألناه عن الغرب وكيف ينظر إلى قضايانا العربية فقال: «لا شك أن هناك من يتعاطف مع قضايانا العربية، ولكننا كنا نلوم ونعتب على بعض الزملاء من جنسيات أخرى كيف أنهم لا يتفاعلون مع قضية الشعب الفلسطيني، فكان الرد ببساطة، نحن في ألمانيا تجاوزنا مثل هذه المحن الكبرى، وكل الويلات، آن لنا أن نعيش كما يحلو لنا، عليكم أن تحلّوا مشاكلكم بأنفسكم».
وعن دور الجالية السورية هناك يقول: «أينما حل السوري فإن همّ العروبة هاجسه، وأذكر أن للجالية السورية دوراً كبيراً في تأمين الدعم الطبي إلى الشعب اللبناني أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، فقد كنا نجمع الأدوية عبر العلاقات الجيدة والمتميزة التي تربطنا بالمجتمع الألماني، وكنا نرسل هذه الأدوية عبر الطيران السوري إلى "دمشق" لتذهب من هناك إلى لبنان».
وسألناه من هو "علي المير" هناك في ألمانيا، وما حقيقة شعوره كمغترب سوري فيها، فيقول: «كل الفخر، وأذكر أن أول معرض للسياحة العالمي الذي أقيم في "برلين" عام 1981 والذي شاركت
رفض الجنسية الأجنبية لتعلقه بوطنه
فيه سورية، فقد تبرعنا بالترجمة للأجانب، وعرّفناهم بمنتج بلدنا، وحدثناهم عن سورية، كان الجناح السوري عبارة عن بيت دمشقي قديم، كما كان الطاقم مرتدياً اللباس الفلكلوري الشامي القديم، وأذكر أن وزير الداخلية الألماني واسمه "لومر" قد زار الجناح السوري لكثرة ما سمع عنه، وقد حازت سورية على جائزة من جوائز المهرجان، فأنا من الناس الملتزمين بهذا الوطن بكل أبعاده، كنت في بلد الاغتراب أشعر بالمسؤولية تجاهه، ورفضت الحصول على الجنسية الألمانية، وإن لامني البعض، فهذا أمر نابع من قناعاتي بانتمائي لحضارة عريقة اسمها الحضارة السورية الموغلة في القدم».
وأضاف قائلاً: «الإنسان الأوروبي يعي جيداً أن لسورية تاريخ لا يمكن أن يتزعزع، هذه النظرة تعكس الرؤية الحقيقية التي يروننا بها، على عكس الأمريكان، وأنا قد عشت لسنوات في "نيويورك" لكنني أدركت فوراً أنه لا يمكنني البقاء في بلاد الأحلام كما يعتقد الكثيرون من أبناء العرب».
ويتحدث لنا عن حادثة طريفة، لكنها تترك أكثر من إشارة استفهام، فيقول: «شاركت سورية في معرض دولي أقيم في "برلين" ومختص بعرض آثار الدول، وشاركت سورية بمجسم لمدينة "ماري" العمورية وعمر المجسم حوالي/5000 سنة/ وموجود في هذا المجسم قنوات متطورة للصرف الصحي، يومها قال أحد الألمان وهو في غاية الدهشة مما رأى: (إذا كنتوا هيك قبل /5000 سنة/ شو اللي رجعكن لورا؟).. أعتقد أن تعليقه كان مؤلماً، رغم الابتسامة التي توزعت هنا وهناك».
وعن حادثة أخرى يقول: «علمت أن محاضراً ألمانياً كان عنوان بحثه "الحضارة تبدأ من سومر" وصلت مكان المحاضرة متأخراً، كانت الصالة معتمة، لأن المحاضر يعرض صوراً عن الحضارة السومرية، وكان يتكلم عن سورية وحضارتها، سعدت جداً وشعرت بالفخر، وعندما أضيئت الصالة عرفت أنني الوحيد الأجنبي، والكل كانوا من الألمان، فتقدمت من المحاضر وقلت له: (جئت باسم الطلبة السوريين) وشكرته على المحاضرة، ففرح كثيراً وقال لي: (يعني هذا أنكم مهتمون بهذه المحاضرة)».
وعن رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية يقول: «لم تعجبني كثيراً الحياة هناك، وأنا من القلائل الذين تركوا أمريكا بإرادتهم».
وماذا حمل الدكتور "علي" في حقيبته عندما سافر أول مرة خارج حدود الوطن،
حديث خاص لـ esyria
فيقول: «أخذت معي مسرحيات "محمد الماغوط" وأغاني الرحابنة، والصوت الملائكي "فيروز" وأنا قبل أن أسافر حضرت جميع مسرحيات الرحابنة، كانوا بالنسبة لي "صورة الوطن"».
في النهاية فإن الدكتور "علي المير أحمد" هو من مواليد "سلمية" في العام 1952 متزوج ورزق بولد واحد اسماه "وجدي" وهو مقيم حالياً في ألمانيا، ويدرس في نفس الكلية التي درس فيها والده، والدكتور "علي" يقوم بدور مستشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي GSR لتطوير الخدمات الحكومية، وهنا يقول: «مهمتنا هي عقد اتفاقات مع وزارات الدولة، نضع لكل منها خطط عمل، ودورنا استشاري فقط ولا نملك قرار التنفيذ، ومعظم وزارات الدولة لها علاقة بالبرنامج، وهو يتطور بسرعة، وقد أعطى نتائج جيدة».
يذكر أن للدكتور "علي" عدد من المحاضرات التي ألقاها في أماكن عديدة داخل سورية وخارجها.