نسم علينا الهوى ..
ارتفع صوت فيروز بنبرة حنين مؤلمة عند هذه الأغنية فلم أقوى على العمل اكثر , أشيائي متناثرة حولي
ملابسي في كل مكان , خزانتي مفتوحة , وشنطة السفر أخذت حيزاً كبيراً من غرفتي , ولكنني وجدت
زاوية صغيرة وجلست .
بدأت رائحة التراب , أوراق الجوز والياسمين تتسرب إلى عقلي .
لن يوصل النسيم تلك الروائح إلى هذه البقعة الصحراوية من العالم , ولكن نسيماً ما أوصلها فانتشيت
مازال أمامي ثماني وأربعون ساعة لأكون على متن تلك الطائرة المتجهة شمالاً , طائرة كتب عليها السورية ..
الوجوه حولك أغلبها سورية .. وجوه من بلادي .. آه .. ستكفي هذه الآه الآن
نهضت لأتابع عملي , شيء ما يشغلني , يوترني , ليست المرة الأولى التي أسافر بها إلى الوطن ,
ولكنني في كل مرة أشعر بأنها المرة الأولى .
للحنين ألم , ونحن البشر نتلذذ بالألم , نشتاق ونتلذذ بالاشتياق , جميلٌ هو الحب لأنه مزيج من ألم وشوق
واقتراب موعد اللقاء بالوطن , أشبه باقتراب الحبيب , ليضع قبلة على الجبين ثم على الشفتين , ذاك الشعور
بالإضطراب , ضربات القلب المتسارعة وحرارة الجسد المتقلبة , أستطيع تخيل ذلك الآن .
سأعود الآن لأضيع بين أشيائي , ضربات قلبي , وحنيني ولكن قبل عودتي سأفيدكم بمعلومة صغيرة :
يتميز مطار دمشق بانعدام الجاذبية , فلا أذكر بأنني يوماً استطعت الوقوف على ارضه , فلا وزن لي حين أطأ أرض المطار
أطير حتى بوابتة وهناك أولد من جديد , وأنتفس الهواء للمرة الأولى , وأصرخ صرخة الحياة " سورية " .