حوار
محمد الماغوط : الالفه اكبر من الصداقة والحب
حاورته في دمشق: عبلة الرويني
* ماذا تشرب في الصباح؟
الماغوط: أحب ان أشرب. لكن عندما مررت بتجربة الإدمان ووصلت الى حافة الموت كان لابد لي أن آكل، وان أضع الأكل في (البراد).
* من يصنع لك الطعام؟
الماغوط: آكل عندما يأتي الأصدقاء بالطعام
* تعاني الوحدة؟
الماغوط: ابدأ. أذهب إليها.. كم تمنيت ان لا يعرفني احد، وان لا اعرف احدا. لكن بعد زواج بناتي ومرضي صرت أخشي.. لا أخشي الموت ولكن أخاف مقدماته. العجز والمرض
*ومن أين تعيش حياتك؟
الماغوط: من راتبي بمديرية الثقافة وكتاباتي في(الوسط)
(مد يده ممسكا بالعدد الأخير من مجلة "الوسط")، وراح يقرأ بصوت مرتفع مقاله الاخير فيها..
أفتح جهاز التسجيل فينتفض مرة أخرى..
أقول: لماذا تفعل ذلك. أريد فقط ان احتفظ بصوتك يهدأ قليلا من حيث أعجبه التقدير
الذي يستحقه.
* يعجبك صوتك؟
الماغوط: أنا بدوي، جبلي أغني في اوركسترا الصحراء ويعجبني صوتي.
* ونحن ايضا.
* كيف تقرأ الآن؟
الماغوط: الآن لا اقرأ.. أوعلى الأقل اقرأ بصعوبة. أمامي كتاب منذ اكثر من 10 أيام، أفتحه كل يوم ولا اقرأ شيئا.
في فترة من الفترات قرأت كثيرا، خصوصا في السجن، كان زكريا وسنيه (يقصد زكريا
تامر وسنيه صالح) .. كانوا دائما يأتون إليٌ بكتب كثيرة. قرأت في احدى الحبسات 25 ألف صفحة ...الآن لا اقرأ لأني كسول وملول.
* أيضا لا تقرأ شعرك في الندوات العامة؟
: طوال عمري لا اقرأ شعري في ندوات أو أمسيات عامة. يمكن حدث هذا مرة أو مرتين على الاكثر.. ويحدث بسرعة شديدة لأني أريد ان أخلص وأنتهي.
* ضيق حتى في شعرك؟
: ليس لدي خلق لأبحث عن (قافيه (و (بيت). يمكن كتبت قصيدتي من باب ضيق
الخلق.. لأني ضقت) بالوزن)) والعمود) (والقافية).
* مزاجك سوداوي؟
دائما.. أنا صاحب مزاج سوداوي لأني من مدينة هدمت 100 مرة..
(السلمية) معقل القرامطة حتى المتنبي.
* أظن ان تجربة السجن أيضا تركت بصماتها بوضوح؟
: فكرة السجن أكثر من مرعبة...
اتحدي أي إنسان، يدخل السجن ولو يوما واحدا. وينساه نحن جيل دشا فينا الإرهاب
السياسي.
* كم مرة سجنت؟
كثيرا.. في المرة الأولي أيام مقتل عدنان المالكي واتهام القوميين السوريين.
* تكوينك يتناقض وفكرة الانضمام للأحزاب. فكيف كانت تجربتك الحزبية؟
: تجربة مضحكة.. كان عمري 13 عاما.. وبرد ومطر في (السلمية(، قالوا ان هناك أحزابا جديدة قادمة الى البلدة.. سألت ما هي المواصفات؟ قالوا حزب (البعث) بعيد عن بيتنا وليس لديه صوبا (مدفأة ) بينما الحزب القومي السوري كان قريبا ويمتلك (صوبا).
* بسبب صوبا
: هذا ما حدث
* تكتب بشجاعة.. تشعر ان اسمك يحميك؟
: أبدا تلك طبيعتي. فأنا لا أعرف الكذب ولا أخشى شيئا. ثم ان عندي نوعا من الخيال وخبرة 50 عاما تجعلني اكتب ما أريد.
* تعرف لمن تكتب.. أقصد تعرف جمهورك؟
: عندما اكتب الغي ذاكرتي نهائيا.. مش مشغول بيمين أو شمال. لكن غالبية جمهوري من الطلاب والموظفين والطبقة الكادحة.
(علق ممدوح عدوان ضاحكا يعني شيوعي مش قومي سوري).
*كيف تعرفت علي نفسك شاعرا؟
: لم أتعرف لكن من استمع الى شعري قال: لابد ان ينشر.. نشرت واناعم يورطوني بقولهم شاعر..
أول من التفت الى شعري كان نزار قباني وزكريا تامر وسعيد الجزائري في مجلة (النقاد).
* بالخمسينات؟
نعم.. كنت مجندا ولابس ) شورت( عندما رأيت نزار قباني أول مرة.. قال لي: 'اللي بتعملوه شيء حلو'
* هذا أسعدك؟
: جدا.. لكن أكثر من أثر في كان) سليمان عواد( شاعر مات بالسبعينات.
* وزكريا تامر.. هناك ارتباط عميق بينكما..
قاطعني: بدأنا بالخمسينات 56، 57 أيام كان المعلمون في الساحة الثقافية علي الجندي، وشوقي بغدادي وسعيد حورانيه. لكنهم كانوا جميعا محشوين بالايدولوجيا.
واحد منهم قال لي: (من هذا الفلاح القادم من أعماق الريف ليعطيني دروسا في الشعر (.. وكان التعليق مليئا بالسخرية وليس بالاعتراف.
****
علي غلاف الصفحة الأخيرة من رواية زكريا تامر (النمور في اليوم العاشر ( الصادرة 1978 كتب محمد الماغوط:
(بدأ زكريا تامر حدادا شرسا في معمل وعندما انطلق من حي (البحصه) في دمشق بلفافته وسعاله المعهودين ليصبح كاتبا، لم يتخل عن مهنته الأصلية، بل بقي حدادا وشرسا ولكن في وطن من الفخار.. لم يترك فيه شيئا قائما إلا وحطمه، ولم يقف في وجهه شيئ سوي القبور والسجون لأنها بحماية جيده.
عندما يأتي القارئ الى نهاية هذا الكتاب العجيب يشعر انه محاصر كالقلم في مبراة، وانه عار من كل شيء في أقسي صقيع عرفه القدر ولا يملك شيئا سوي راحتيه يستر بها وسطه وهو في وقفته الطله والمخجلة تلك على رصيف المئة مليون أو أشيه، لا ينقصه إلا إطار في قاعة محاضرات وبحاثه في علم بقاء الأنواع يشير إليه بطرف عصاه أمام طلابه ويقول: قد كنا ندرس يا أولادي من قبل كيف يتطور المخلوق البشري في مناطق كثيرة الى إنسان، وألان سندس كيف يتطور المخلوق البشري في هذه المنطقة من إنسان الى قرد ، وأهله وحكامه يتفرجون عليه من النافذة وهم يضحكون)
* منذ البداية ماذا كان مشروعك.. بماذا كنت تحلم؟
: لم يكن لدي مشروع ثقافي. لم يكن لدي نظرية ولا حلم أريد تحقيقه.. لم احلم يوما ان أكون مثل شوقي أو حافظ إبراهيم..
أنا فقط أخربط. ولا أسمي ما اكتبه
* البعض رأي أن قصيدة النثر ذات مرجعيه غربية فرنسية تحديدا.. بينما البعض الآخر
يبحث عن امتداداتها في التراث..؟
: لا تسأليني نظريات
لا أريد أسئلة وإجابات. انا لست مثقفا وشهاداتي متوسطة زراعية.. ولا أعرف لغات وبهذا اعتبر ان الله رحمني من كل هذا العبء.
****
في مقدمة الأعمال الكاملة لمحمد الماغوط كتبت سنيه صالح:
'أن موهبته التي لعبت دورها بأصالة وحرية كانت في منجاة من حضانة التراث وزجره التربوي، وهكذا نجت عفويته من التحجر والجمود وكان ذلك فضيلة من الفضائل النادرة في هذا العصر'
***
* في مقدمة ديوان (لن) كتب أنسي الحاج بيانه النظري لقصيدة النثر..أين كان بيانك ؟
: انسي كان واضحا في مشروعه
أنا كل ما كان يشغلني دائما هو (البراد( والأكل.. بينما كل من حولي يتكلمون عن(ازرا باوند) (والشعر) (والنظرية)..
التنظير عمره ما كان يهمني ولا الكلام.
أنسي أيضا كان قليل الكلام في اجتماعات (مجلة شعر) كنا أكثر الناس صمتا.. كنا تلاميذ أمام الأساتذة الكبار يوسف الخال وأدونيس.
* ولا يزالون أساتذة؟
: لا
لكن يوسف الخال مختلف عن أدونيس . إنسان، غني داخليا. فكر وعلم وثقافة مرة كنت اعلمه 'التسكع' وهو الأرستقراطي 'اللورد' قلت له حل عن السيارة، إذا كنت شاعرا فلابد ان تتسكع.
قرأ لي قصيدة في بيروت فطلب من أدونيس ان يتعرف عليٌ أو طلب مني قصيدة..
قلت له: بكره وكتبت له في نفس الليلة) الحزن في ضوء القمر(.
*يا سلام!
: أعطاني 75 ليره وقال لي لا تفعل أي شيء إلا الشعر..
وكتب عني:
(كلنا كنا نحلم بالشعر لكن الوحيد الذي جاء إلينا كآلهة اليونان هو الماغوط(
* لديك حساسية مفرطة في استخدام اللغة..
بالفعل عندي حساسية بتجاور الالفاظ جنبا الى جنب في إيقاع معين. في ذاكرتي جرس ( يرن) لو كان هناك خطأ لكن طوال عمري مشكلتي ليس فيما أريد ان اكتبه ولكن في كيف اكتبه.
* الصورة هي العنصر الأقوي بقصيدتك؟
: لان) المكسح) قوته في يديه والأعمي قوته في سمعه. كانت قوتي هي الصورة
. لأني لست مثقفا.
لجأت الى (الصورة) الى الشيء البصري وليس إلي الشيء الفكري لاني أفتقد الثقافة..
يمكن لو درست وتثقفت كنت اكتب مثل أدونيس.
*تعجبك قصيدة أدونيس؟
: لا أحب القصيدة الفكرية. لو عندي فكرة اكتبها في مقال.
أدونيس يكتب أفكارا، كل شعره فكر. وهو منذ البداية يعرف الى أين يذهب وكيف يسير.. منظم، مرتب.
شعره القديم أحبه لأنه كان فيه معاناة إما شعره الحالي فلا افهمه
تدخل ممدوح عدوان ليسأله: أدونيس يراك رومانسيا.
شو ما أحلاها!!
* شباب الشعراء حتى المستندين فيهم على قصيدتك يرونك الآن تقليديا..
حداثتك شكلية بينما بنية القصيدة، اللغة، الموسيقىى، العاطفة، الصورة.. جميعها تنتمي الى القصيدة التقليدية.. هذا رأي البعض منهم؟!
: هذا لا يغضبني
وأنا لا أريد إغضابك.. فقط دفعك للكلام ؟
وأنا لا أريد أسئلة !
* عندما تظهر أجيال جديدة من الشعراء هل تشعر بالزمن؟
: الزمن لا أفكر فيه على الإطلاق إلا بعد زواج بناتي ومرضي
*اقصد علي المستوى الثقافي؟
يجوز ان هناك شعراء جددا. لكني لا اعرفهم لأني لم أعد أقرأ.
*تضيق لو سألناك عن سنيه صالح؟
: لا لكني لا اعرف ان أتكلم عمن أحبهم. يمكن من اكرههم أستطيع.
أحيانا أرى نفسي بري. لكن الشخص إذا كان (جباناً ( ربما استوعبه، وإذا كان (كاذبا) أو (لئيما) أو (بخيلا) ايضا استوعبه واحتمله لكن إذا لم أعد احترمه لا أتعامل معه على الإطلاق.
* في حياتكما هل كنتما متفقين؟
: في حياتي لم اتفق معها علn رأي أبدا.. لكن هناك نوع من الالفه اكبر من الصداقة والحب.
نحن من عالمين مختلفين تماما.. عالمها رومانسي حالم روحاني، صوفي، صادق.بينما كل شيء عندي الوحل والأرصفة والشوارع والبول والسواد والقسوة.
كان سعيد عقل يغضب من رائحة البول في القصيدة قلت له: حتى البول والبراز كلمة شاعرية لكن المهم كيف تستخدمها قال: معك حق.
* كيف تعرفت بسنيه؟
في بيت أدونيس في بيروت..
كنت أتناول (الغداء) عند خالدة سعيد (أخت سنيه) وكنت ناشر قصيدة جديدة أعجبت سنيه التي كانت تراني للمرة الأولي.
*كان ذلك بالستينات؟
: نعم وكنت أشتغل
(بالرأي العام) بعد ذلك أرسلت خالدة أختها سنية حتى أقدم أوراقها الى الجامعة بدمشق وتوسطت غادة السمان حيث كان يعمل أبوها بالجامعة.. وسارت العلاقة وتزوجنا.
*شعريا كيف تراها؟
قوة مهوله..
لو قرأت ديوانها (ذكر الورد) نجد شاعرة كبيرة.. بل هي اكبر شاعرة عربية . لا نازك ولا غادة السمان ولا أي واحدة علي الإطلاق.
*ولماذا لم تحقق شهرة؟
أقصد لم يتم تقييمها نقديا بما يليق بمكانتها؟
: يمكن اسمي طغي عليها!
كان رأيها جوهريا.. فإذا كتبت شيئا وترددت أمامه ولو لحظة. كنت أمزقه أو أعيد كتابته من جديد. أيضا كانت الوحيدة التي كان أدونيس يخشى رأيها.
*أخرى تحبها. سعاد حسني..
التي فجرت يوما لك أزمة عندما نشر ت إحدى الصحف على لسانك أنه لا يوجد في مصر سوى سعاد حسني
كنت أتكلم تحديدا عن السينما.. لكن الجرائد تفعل ما تريد
* تعاني الآن هي ايضا من الاكتئاب. وحيدة في لندن؟
شيء مؤسف.. هي التي منحتنا كل الفرح
كنا في القاهرة أيام فيلم (التقرير( دعانا يوسف إدريس فجاءت جلستي الى جوار سعاد حسني. يومها قال لي حسين فهمي أني أحسدك لقد مثلت معها أجمل الأفلام ورغم ذلك لم تجلس بجانبي.
بعدها كنت معزوما عند شريهان ورأيت سعاد في نفس اليوم ودعتني الى سهرة فاعتذرت لارتباطي بالموعد السابق قال لي صديق: حد في الدنيا تدعوه سعاد حسني ويروح لشرهان.
*فعلا عنده حق
***
في الثامنة صباحاً رحت أفتش عن الماغوط في مقهى الشام بوسط المدينة أعتاد منذ زمان ان يتناول قهوته ويقرأ جرائد الصباح كل يوم من الثامنة الى التاسعة قبل ان يبدأ رواد المقهى (خاصة المثقفين منهم) في الحضور وإزعاجه.
*صباح الخير يا أستاذ محمد
استيقظت مبكرا لأبدأ صباحي بك.
صباح الخير. اجلسي
أرجو إلا يكون في كلامي أية اساءة الى سعاد حسني. لأني أحبها
*ومن الذي لا يحبها. اطمئن
* مبروك كتابك الجديد..
لكن لماذا غيرت عنوانه من) شرق عدن غرب الله) الى (سياف الزهور)؟
: أنا لم أغير شيئا لكن ماحدا كان يقدر ينشر العنوان الأول
* تقبل تدخل الرقيب في شعرك؟
: عنوان الكتاب ممكن. هذا حق الناشر لكن القصيدة لا.
محمد الماغوط : الالفه اكبر من الصداقة والحب
حاورته في دمشق: عبلة الرويني
* ماذا تشرب في الصباح؟
الماغوط: أحب ان أشرب. لكن عندما مررت بتجربة الإدمان ووصلت الى حافة الموت كان لابد لي أن آكل، وان أضع الأكل في (البراد).
* من يصنع لك الطعام؟
الماغوط: آكل عندما يأتي الأصدقاء بالطعام
* تعاني الوحدة؟
الماغوط: ابدأ. أذهب إليها.. كم تمنيت ان لا يعرفني احد، وان لا اعرف احدا. لكن بعد زواج بناتي ومرضي صرت أخشي.. لا أخشي الموت ولكن أخاف مقدماته. العجز والمرض
*ومن أين تعيش حياتك؟
الماغوط: من راتبي بمديرية الثقافة وكتاباتي في(الوسط)
(مد يده ممسكا بالعدد الأخير من مجلة "الوسط")، وراح يقرأ بصوت مرتفع مقاله الاخير فيها..
أفتح جهاز التسجيل فينتفض مرة أخرى..
أقول: لماذا تفعل ذلك. أريد فقط ان احتفظ بصوتك يهدأ قليلا من حيث أعجبه التقدير
الذي يستحقه.
* يعجبك صوتك؟
الماغوط: أنا بدوي، جبلي أغني في اوركسترا الصحراء ويعجبني صوتي.
* ونحن ايضا.
* كيف تقرأ الآن؟
الماغوط: الآن لا اقرأ.. أوعلى الأقل اقرأ بصعوبة. أمامي كتاب منذ اكثر من 10 أيام، أفتحه كل يوم ولا اقرأ شيئا.
في فترة من الفترات قرأت كثيرا، خصوصا في السجن، كان زكريا وسنيه (يقصد زكريا
تامر وسنيه صالح) .. كانوا دائما يأتون إليٌ بكتب كثيرة. قرأت في احدى الحبسات 25 ألف صفحة ...الآن لا اقرأ لأني كسول وملول.
* أيضا لا تقرأ شعرك في الندوات العامة؟
: طوال عمري لا اقرأ شعري في ندوات أو أمسيات عامة. يمكن حدث هذا مرة أو مرتين على الاكثر.. ويحدث بسرعة شديدة لأني أريد ان أخلص وأنتهي.
* ضيق حتى في شعرك؟
: ليس لدي خلق لأبحث عن (قافيه (و (بيت). يمكن كتبت قصيدتي من باب ضيق
الخلق.. لأني ضقت) بالوزن)) والعمود) (والقافية).
* مزاجك سوداوي؟
دائما.. أنا صاحب مزاج سوداوي لأني من مدينة هدمت 100 مرة..
(السلمية) معقل القرامطة حتى المتنبي.
* أظن ان تجربة السجن أيضا تركت بصماتها بوضوح؟
: فكرة السجن أكثر من مرعبة...
اتحدي أي إنسان، يدخل السجن ولو يوما واحدا. وينساه نحن جيل دشا فينا الإرهاب
السياسي.
* كم مرة سجنت؟
كثيرا.. في المرة الأولي أيام مقتل عدنان المالكي واتهام القوميين السوريين.
* تكوينك يتناقض وفكرة الانضمام للأحزاب. فكيف كانت تجربتك الحزبية؟
: تجربة مضحكة.. كان عمري 13 عاما.. وبرد ومطر في (السلمية(، قالوا ان هناك أحزابا جديدة قادمة الى البلدة.. سألت ما هي المواصفات؟ قالوا حزب (البعث) بعيد عن بيتنا وليس لديه صوبا (مدفأة ) بينما الحزب القومي السوري كان قريبا ويمتلك (صوبا).
* بسبب صوبا
: هذا ما حدث
* تكتب بشجاعة.. تشعر ان اسمك يحميك؟
: أبدا تلك طبيعتي. فأنا لا أعرف الكذب ولا أخشى شيئا. ثم ان عندي نوعا من الخيال وخبرة 50 عاما تجعلني اكتب ما أريد.
* تعرف لمن تكتب.. أقصد تعرف جمهورك؟
: عندما اكتب الغي ذاكرتي نهائيا.. مش مشغول بيمين أو شمال. لكن غالبية جمهوري من الطلاب والموظفين والطبقة الكادحة.
(علق ممدوح عدوان ضاحكا يعني شيوعي مش قومي سوري).
*كيف تعرفت علي نفسك شاعرا؟
: لم أتعرف لكن من استمع الى شعري قال: لابد ان ينشر.. نشرت واناعم يورطوني بقولهم شاعر..
أول من التفت الى شعري كان نزار قباني وزكريا تامر وسعيد الجزائري في مجلة (النقاد).
* بالخمسينات؟
نعم.. كنت مجندا ولابس ) شورت( عندما رأيت نزار قباني أول مرة.. قال لي: 'اللي بتعملوه شيء حلو'
* هذا أسعدك؟
: جدا.. لكن أكثر من أثر في كان) سليمان عواد( شاعر مات بالسبعينات.
* وزكريا تامر.. هناك ارتباط عميق بينكما..
قاطعني: بدأنا بالخمسينات 56، 57 أيام كان المعلمون في الساحة الثقافية علي الجندي، وشوقي بغدادي وسعيد حورانيه. لكنهم كانوا جميعا محشوين بالايدولوجيا.
واحد منهم قال لي: (من هذا الفلاح القادم من أعماق الريف ليعطيني دروسا في الشعر (.. وكان التعليق مليئا بالسخرية وليس بالاعتراف.
****
علي غلاف الصفحة الأخيرة من رواية زكريا تامر (النمور في اليوم العاشر ( الصادرة 1978 كتب محمد الماغوط:
(بدأ زكريا تامر حدادا شرسا في معمل وعندما انطلق من حي (البحصه) في دمشق بلفافته وسعاله المعهودين ليصبح كاتبا، لم يتخل عن مهنته الأصلية، بل بقي حدادا وشرسا ولكن في وطن من الفخار.. لم يترك فيه شيئا قائما إلا وحطمه، ولم يقف في وجهه شيئ سوي القبور والسجون لأنها بحماية جيده.
عندما يأتي القارئ الى نهاية هذا الكتاب العجيب يشعر انه محاصر كالقلم في مبراة، وانه عار من كل شيء في أقسي صقيع عرفه القدر ولا يملك شيئا سوي راحتيه يستر بها وسطه وهو في وقفته الطله والمخجلة تلك على رصيف المئة مليون أو أشيه، لا ينقصه إلا إطار في قاعة محاضرات وبحاثه في علم بقاء الأنواع يشير إليه بطرف عصاه أمام طلابه ويقول: قد كنا ندرس يا أولادي من قبل كيف يتطور المخلوق البشري في مناطق كثيرة الى إنسان، وألان سندس كيف يتطور المخلوق البشري في هذه المنطقة من إنسان الى قرد ، وأهله وحكامه يتفرجون عليه من النافذة وهم يضحكون)
* منذ البداية ماذا كان مشروعك.. بماذا كنت تحلم؟
: لم يكن لدي مشروع ثقافي. لم يكن لدي نظرية ولا حلم أريد تحقيقه.. لم احلم يوما ان أكون مثل شوقي أو حافظ إبراهيم..
أنا فقط أخربط. ولا أسمي ما اكتبه
* البعض رأي أن قصيدة النثر ذات مرجعيه غربية فرنسية تحديدا.. بينما البعض الآخر
يبحث عن امتداداتها في التراث..؟
: لا تسأليني نظريات
لا أريد أسئلة وإجابات. انا لست مثقفا وشهاداتي متوسطة زراعية.. ولا أعرف لغات وبهذا اعتبر ان الله رحمني من كل هذا العبء.
****
في مقدمة الأعمال الكاملة لمحمد الماغوط كتبت سنيه صالح:
'أن موهبته التي لعبت دورها بأصالة وحرية كانت في منجاة من حضانة التراث وزجره التربوي، وهكذا نجت عفويته من التحجر والجمود وكان ذلك فضيلة من الفضائل النادرة في هذا العصر'
***
* في مقدمة ديوان (لن) كتب أنسي الحاج بيانه النظري لقصيدة النثر..أين كان بيانك ؟
: انسي كان واضحا في مشروعه
أنا كل ما كان يشغلني دائما هو (البراد( والأكل.. بينما كل من حولي يتكلمون عن(ازرا باوند) (والشعر) (والنظرية)..
التنظير عمره ما كان يهمني ولا الكلام.
أنسي أيضا كان قليل الكلام في اجتماعات (مجلة شعر) كنا أكثر الناس صمتا.. كنا تلاميذ أمام الأساتذة الكبار يوسف الخال وأدونيس.
* ولا يزالون أساتذة؟
: لا
لكن يوسف الخال مختلف عن أدونيس . إنسان، غني داخليا. فكر وعلم وثقافة مرة كنت اعلمه 'التسكع' وهو الأرستقراطي 'اللورد' قلت له حل عن السيارة، إذا كنت شاعرا فلابد ان تتسكع.
قرأ لي قصيدة في بيروت فطلب من أدونيس ان يتعرف عليٌ أو طلب مني قصيدة..
قلت له: بكره وكتبت له في نفس الليلة) الحزن في ضوء القمر(.
*يا سلام!
: أعطاني 75 ليره وقال لي لا تفعل أي شيء إلا الشعر..
وكتب عني:
(كلنا كنا نحلم بالشعر لكن الوحيد الذي جاء إلينا كآلهة اليونان هو الماغوط(
* لديك حساسية مفرطة في استخدام اللغة..
بالفعل عندي حساسية بتجاور الالفاظ جنبا الى جنب في إيقاع معين. في ذاكرتي جرس ( يرن) لو كان هناك خطأ لكن طوال عمري مشكلتي ليس فيما أريد ان اكتبه ولكن في كيف اكتبه.
* الصورة هي العنصر الأقوي بقصيدتك؟
: لان) المكسح) قوته في يديه والأعمي قوته في سمعه. كانت قوتي هي الصورة
. لأني لست مثقفا.
لجأت الى (الصورة) الى الشيء البصري وليس إلي الشيء الفكري لاني أفتقد الثقافة..
يمكن لو درست وتثقفت كنت اكتب مثل أدونيس.
*تعجبك قصيدة أدونيس؟
: لا أحب القصيدة الفكرية. لو عندي فكرة اكتبها في مقال.
أدونيس يكتب أفكارا، كل شعره فكر. وهو منذ البداية يعرف الى أين يذهب وكيف يسير.. منظم، مرتب.
شعره القديم أحبه لأنه كان فيه معاناة إما شعره الحالي فلا افهمه
تدخل ممدوح عدوان ليسأله: أدونيس يراك رومانسيا.
شو ما أحلاها!!
* شباب الشعراء حتى المستندين فيهم على قصيدتك يرونك الآن تقليديا..
حداثتك شكلية بينما بنية القصيدة، اللغة، الموسيقىى، العاطفة، الصورة.. جميعها تنتمي الى القصيدة التقليدية.. هذا رأي البعض منهم؟!
: هذا لا يغضبني
وأنا لا أريد إغضابك.. فقط دفعك للكلام ؟
وأنا لا أريد أسئلة !
* عندما تظهر أجيال جديدة من الشعراء هل تشعر بالزمن؟
: الزمن لا أفكر فيه على الإطلاق إلا بعد زواج بناتي ومرضي
*اقصد علي المستوى الثقافي؟
يجوز ان هناك شعراء جددا. لكني لا اعرفهم لأني لم أعد أقرأ.
*تضيق لو سألناك عن سنيه صالح؟
: لا لكني لا اعرف ان أتكلم عمن أحبهم. يمكن من اكرههم أستطيع.
أحيانا أرى نفسي بري. لكن الشخص إذا كان (جباناً ( ربما استوعبه، وإذا كان (كاذبا) أو (لئيما) أو (بخيلا) ايضا استوعبه واحتمله لكن إذا لم أعد احترمه لا أتعامل معه على الإطلاق.
* في حياتكما هل كنتما متفقين؟
: في حياتي لم اتفق معها علn رأي أبدا.. لكن هناك نوع من الالفه اكبر من الصداقة والحب.
نحن من عالمين مختلفين تماما.. عالمها رومانسي حالم روحاني، صوفي، صادق.بينما كل شيء عندي الوحل والأرصفة والشوارع والبول والسواد والقسوة.
كان سعيد عقل يغضب من رائحة البول في القصيدة قلت له: حتى البول والبراز كلمة شاعرية لكن المهم كيف تستخدمها قال: معك حق.
* كيف تعرفت بسنيه؟
في بيت أدونيس في بيروت..
كنت أتناول (الغداء) عند خالدة سعيد (أخت سنيه) وكنت ناشر قصيدة جديدة أعجبت سنيه التي كانت تراني للمرة الأولي.
*كان ذلك بالستينات؟
: نعم وكنت أشتغل
(بالرأي العام) بعد ذلك أرسلت خالدة أختها سنية حتى أقدم أوراقها الى الجامعة بدمشق وتوسطت غادة السمان حيث كان يعمل أبوها بالجامعة.. وسارت العلاقة وتزوجنا.
*شعريا كيف تراها؟
قوة مهوله..
لو قرأت ديوانها (ذكر الورد) نجد شاعرة كبيرة.. بل هي اكبر شاعرة عربية . لا نازك ولا غادة السمان ولا أي واحدة علي الإطلاق.
*ولماذا لم تحقق شهرة؟
أقصد لم يتم تقييمها نقديا بما يليق بمكانتها؟
: يمكن اسمي طغي عليها!
كان رأيها جوهريا.. فإذا كتبت شيئا وترددت أمامه ولو لحظة. كنت أمزقه أو أعيد كتابته من جديد. أيضا كانت الوحيدة التي كان أدونيس يخشى رأيها.
*أخرى تحبها. سعاد حسني..
التي فجرت يوما لك أزمة عندما نشر ت إحدى الصحف على لسانك أنه لا يوجد في مصر سوى سعاد حسني
كنت أتكلم تحديدا عن السينما.. لكن الجرائد تفعل ما تريد
* تعاني الآن هي ايضا من الاكتئاب. وحيدة في لندن؟
شيء مؤسف.. هي التي منحتنا كل الفرح
كنا في القاهرة أيام فيلم (التقرير( دعانا يوسف إدريس فجاءت جلستي الى جوار سعاد حسني. يومها قال لي حسين فهمي أني أحسدك لقد مثلت معها أجمل الأفلام ورغم ذلك لم تجلس بجانبي.
بعدها كنت معزوما عند شريهان ورأيت سعاد في نفس اليوم ودعتني الى سهرة فاعتذرت لارتباطي بالموعد السابق قال لي صديق: حد في الدنيا تدعوه سعاد حسني ويروح لشرهان.
*فعلا عنده حق
***
في الثامنة صباحاً رحت أفتش عن الماغوط في مقهى الشام بوسط المدينة أعتاد منذ زمان ان يتناول قهوته ويقرأ جرائد الصباح كل يوم من الثامنة الى التاسعة قبل ان يبدأ رواد المقهى (خاصة المثقفين منهم) في الحضور وإزعاجه.
*صباح الخير يا أستاذ محمد
استيقظت مبكرا لأبدأ صباحي بك.
صباح الخير. اجلسي
أرجو إلا يكون في كلامي أية اساءة الى سعاد حسني. لأني أحبها
*ومن الذي لا يحبها. اطمئن
* مبروك كتابك الجديد..
لكن لماذا غيرت عنوانه من) شرق عدن غرب الله) الى (سياف الزهور)؟
: أنا لم أغير شيئا لكن ماحدا كان يقدر ينشر العنوان الأول
* تقبل تدخل الرقيب في شعرك؟
: عنوان الكتاب ممكن. هذا حق الناشر لكن القصيدة لا.