وشاع فساد البلاغة .. وانتشر الشعر بين
العوام ،
وصار على كل مفردة أن تقول وتخفى
ما حولها من غمام
فأن تمدح الورد معناه ، أنك تهجو الظلام
وأن تتذكر برق السيوف القديمة معناه : أنك
تهجو السلام
وأن تذكر الياسمين وحيدًا ،وتضحك ، معناه :
أنك تهجو النظام
ولا تستطيع الحكومة شنق المجاز ونفى
الأسى عن هديل الحمام .. .
وبين الطباق وبين الجناس تقول القصيدة ما
بيننا من حطام
وتنشئ عالمها المستقل وتهرب من شرطتي
في الزحام
وتخلق واقعها فوق واقعنا ، أو تجردنا من
سياج المنام
فيصبح حلم الجماهير فوضى ، ولا نستطيع
التدخل بين النيام
أنا سيد الحلم ! لاتجلسوا حول قصرى
بغير الطعام
و لاتأذنوا للفراشات بالطيران الإباحى فى
لغة من رخام ..
.. فمن لغتي تأخذون ملامح أحلامكم مرة
كل عام .
.. ومن لغتي تعرفون الحقيقة فى لفظتين :
حلال ، حرام
فلا تبحثوا فى القواميس عن لغةٍ لا تليق
بهذا المقام ،
فان زادت المفردات عن الألف عم الفساد ..
وساد الخراب ،
لأن الكلام الكثير غبار الذباب
وأن نظام الخطاب
خطاب النظام ..
وفى لغتي قوتي . واقعي لغتي واقعي
ما يقول الخطاب
فقد تربح النظرية مايخسر الشعب ،
والشعب عبد الكتاب
وليس على النهر أن يتراجع عما فتحنا له
من سياق وغاب
سنجرى معا فوق موج الدفاع عن الاندفاع
الكبير لفكر الصواب
وماذا لو اكتشف القوم أن الدروب إلى
الدرب معجزة من سراب !
وماذا لو ارتطم البر بالبحر والبحر بالبحر ،
وامتد فينا العباب !
إلى أين يا بحر تأخذنا ؟ والخطاب يواصل
خطبته في اليباب
أنرجع من حيث ضعنا ؟ إلى أين يرجع هذا
الكلام .. إلى أى باب ؟!
قطعنا كثيرا من القول ، فليتبع الفعل
خطوتنا في طريق العذاب
ولكن إلى أين نرجع يابحر ؟ والبر ذاكرة
صلبة للسحاب
قطعنا قليلا من الفعل : فليملأ القرل ساحة
هذا الخراب
ليسر الخطاب على موت أبنائنا الفائبين ..
ويعلو الضباب
إلى شرفة القصر .. والمنبر الحجرى المغطى
بعشب الغياب
لا تسألوا : من يذيع الخطاب الأخير : أنا أم
خطاب الخطاب ؟
فقد يصدق القول . قد يكذب القائلون ،
ويحيا الغبار ويفنى التراب .
وقد تجهض الأم حين تشك بأن الجنين ابنها
ليعيش الخطاب
خطابي حريتي ، باب زنزانة من ثلاثين
مفردة لا تصاب ،
بصدمة واقعها . لاتفير إيقاعها ، ولا تقدم
إلا الجواب ،
كلامي غاية هذا الكلام
خطابي واقع هذا الخطاب
لأن خطاب النظام
نظام الخطاب ..
خطابي شد المسافات بين الكلام وبين معانى
الكلام
إذا جف ماء البحيرات ، فلتعصروا لفظة
من خطاب السحاب
وإن مات عشب الحقول ، كلوا مقطعا من
خطاب الطعام
وإن قصت الحرب أرضى ، فلتشهروا
مقطعا من خطاب الحسام
ففي البدء كان الكلام ، وكان الجلوس على
العرش
في البدء كان الخطاب .
سنمضى معا ، جثة . جثة ، فى الطريق
الطويل على لغة من صواب
وماذا لو ابتعد الفجر عنا ، ثلاين عاما
وخمسين عاما .. ونام !
أما قلت يوم جلست على العرش إن العدو
يريد سقوط النظام
وان البلاد تروح وتأتى ؟ وان المبادئ ترسو
رسو الهضاب !
وان قوى الروح فينا خطاب سيبقى ، ولم
يبق غير الخطاب !
فلا تسرفوا في الكلام لئلا تبدد سلطة هذا
الكلام ..
ولا تدخلوا في الكناية كي لا نضل الطريق
ونفقد كنز السراب
ولا تقربوا الشعر ، فالشعر يهدم صرح
الثوابت في وطن من وئام
وللشعر تأويله ، فاحذروه كما تحذرون الزنى
والربا والحرام .
.. وان زادت المفردات عن الألف باخ الكلام
وشاخ الخطاب
وفاضت ضفاف المعاني ليتضح الفرق بين
الحَمام وبين الحمام
.. وفى لغتي ما يدير شئون البلاد ، ويكفى
ويكفى لنستورد الخبز ،
يكفى لنرفع سيف البطولة فوق السحاب .
وفى لغتي ما يعبر عن حاجة الشعب لححتفال
بهذا الخطاب
فلا تسرفوا في ابتكار الكثير من المفردات
وشدوا الحزام
فان ثلاثين مفردة تستطيع قيادة شعب يحب
السلام .
وإن خطاب النظام
نظام الخطاب ..