الشاعر حسين هاشم
الحاضر دوماً في مواجهات غير خاسرة
محمد عزوز*
يصر الشاعر حسين هاشم على العودة بنا إلى المواجهات الخاسرة ، وكأني به يريد أن يعلن للناس كل الناس أن حياته شكل من أشكالها . فقد بدأ بمجموعة ( أناشيد الفقراء ) ، عرفه الناس كشاعر من خلالها ، حتى أنهم لقبوه بها ، ولم يخرج عن الخط الذي رسمه لنفسه في مجموعته الثانية ( وصارت تضيق بي الأرض ) التي لامس فيها أيضاً أوجاع هؤلاء الفقراء من خلال لقمتهم المسروقة وجوعهم الذي يقايض بالدم .
ثم انطلق في مجموعته الثالثة ( وحيداً وعارياً كان يقف ) ليعلن في لوحات جميلة ومؤثرة أنه يستحق عن جدارة لقب ( شاعر الفقراء والمواجع ) ورسم مع الدموع من خلال مجموعته الرابعة ( مطر لبلادي وقلبي ) صورة الحب الضائع بين الحزن والوجع .
ولم يخرج عن إطار الوجع وهموم الإنسان في خامسته ( غبش ) .
أما في ( حقيبة الغياب ) مجموعته السادسة فقد بدأ بأسئلته الحارقة الموجهة إلى صديقيه مسلم وظافر ، لأنهم سرقوا أوتار عود مسلم وأجهضوا قصائد ظافر ..
ثم بدأ الألم ينز من قصائده وهو ( الضائع في التفاصيل والموغل في حريقه ) ورغم أنه ينهض ( كما كل صباح مليئاً بالغيوم والمطر ) إلا أنه يعود ( لينام منكسراً بالخيبة والإنتظار ) .
ويلخص الشاعر وجعه الحياتي .. قلم نائم ، وجه مغضن ، جيب فارغ :
والمقاطع الأخيرة من القصيدة
تنتظر القلم النائم في يده اليابسة
مع بقايا ابتسامة
على وجهه المغضن
في الصباح الثلجي
لاأجد في جيبي
إلا بقايا قصيدة
وبعض الكلمات الهاربة
وجراح الشاعر طازجة دوماً ، حتى قريته التي يحبها لم تسلم من عتابه :
كيف سمحت لسوسهم أن ينخر
أخشاب سقوفك المنحنية
ولغبائهم أن يجرف بيوتك الدافئة
ولركضهم المحموم وراء المال
أن يقتل ( المرحبا ) القديمة
وفي رسالة مفتوحة إلى عزرائيل يرجوه أن يمهله قليلاً :
أعطني فرصة ياصديقي اللدود
فهناك الكثير من القصائد
والكثير من النبيذ
وهناك الكثير من الخوف
على وطني الحزين
والكثير من الإبتسامات
والأعراس
والضغائن
والكثير الكثير من المحبة
وفي ( نايات ) يطلب من ( القرى الطالعة من غبش الرؤيا أن تساعد رئتيه لتلما النهار الوليد ) فهي ( وطن النوم الصعب والعصافير المسافرة إلى البنادق ) .
وفي أقصى حالات أرقه يخاف من أولئك الذين سيقطعون عليه الدرب نحو الأناشيد :
يشربون كؤوسي في المساء
ناصبين شراكهم
على طريق عودتي إلى الأناشيد
خارجاً على خنوع القطيع
أجهر بالمعصية
ولايزال فلاحو المواسم ( يكتفون باختلاس النظر بين تنهيدتين ) ، وفي ترانيمه ينفد صبر الشاعر وهو المقيم في الريح :
ولست عصي الدمع
ولكني أخاف كالأرض في آب
وصبري أكلته أيام الإنتظار الطويلة
ولصديقه محمد رسالة منه ، يقدم له فيها باقة من القصائد لأنه رغم الرايات المنكسرة ( لايزال يصنع أشرعة للمراكب الموعودة بالبحار الطافحة بالأصداف وينسج أمناً من الكلام المجروح بالسكاكين المتوارية )
وفي آخر اناشيد المجموعة يختصر الشاعر حسين هاشم ألمه :
أعبر النهار مسرعاً إلى القفص الطالع من الجدران المائلة
لاسقف يحميني ولاصدر يساند وجعي
أيتها الحروف المختبئة
والبلاد المائلة جداً
والقبائل الوالغة بالدم والإنحناء
أما في مجموعة الشاعر السابعة ( مواجهات خاسرة ) فقد أعلن أنه مرمي يعاني من الوحدة مع فنجان القهوة وعلبة التبغ الفارغة وأفق مغمور بالدم والعويل وذلك لأن الشاعر اختار بعد تجربته المريرة مع الحياة أن يعتكف في ( فريتان ) قريته المرمية على أطراف الصحراء ، يناجي قمرها ، تاريخها ( لقمر فريتان وجه من المحبة وقناع من الأحلام ، لقمر فريتان تاريخ طويل من العشق ) ويناجي أصدقاء له رحلوا ( على حافة قبره الفقير تتجمع أحزاني فأقرأ دمعتين ، وأفر تاركاً ورائي بعض أحلامه ووردة برية وكثيراً من الشجن )
ثم يختصر حاضره ومستقبله الغامض في إعلان خائف :
لاشيء يعزيني
ولاأحد يحميني من العاصفة القادمة
( زملوني إذاً )
ويزفر بعد ذلك بتشاؤمية واضحة ( أهيأ قبري من أحجار التل ) ويحاور قلبه ( أيها الحمل الوديع قلبي سامحني قليلاً لأنني تركتك للضواري .. )
ويقص بعض حكاياته في غرفته المقفلة ، يترقب ( اللحظة التي ستهدم كل شيء كالطفل الخائف من الحكاية )
ثم يعلن في اختزال ، يختصر فيه بعض مواجهاته :
أريد كفناً من القصائد التي لم أقلها بعد
وأقلاماً وحبراً
من دمي الموزع مجاناً في الدنيا
أنا المتوحد في جموعكم
أحمل أوراقي
وأمضي إلى جحيم الكلمات
وفي تنويعاته نستطيع أن نعرف كيف يقضي مساءاته ، وكيف يكون ( صمته صاخباً )، أو كيف ( يستعير الهدوء من العاصفة القادمة ) .
أما مواجهته الأخرى فقد كانت أكثر سوداوية :
مازال الصباح مندساً في فراش الليل
متكئاً على وسادة من النجوم
متجاهلاً انتظاري الطويل
وحيداً في مواجهة قاتلة
ثم نجد أنفسنا محكومين بمرافقته في أزقته الضيقة وهوته المظلمة بجبهة مغضنة وأغنية مجروحة وجسد ينتظر الموت يحاول أن يوقظ قصيدته النائمة ..
ولكننا سنقف في وجهه ، سنحاول أن نمنعه ، أن نخبئه كي يغرس قلمه في قلبه ، لأننا لانزال ننتظر منه قصائد وأناشيد ومواجهات أخرى غير خاسرة …
وكعادته يهرب الشاعر حسين هاشم من أحزانه كي يعترف ويفيق من كوابيسه ، يبكي مع الفجر ويبتسم لبكاء جديد :
عندما أسمع في الفجر
صهيل الخيول البرية
أتحسس لجامي
وأبكي
أستفيق من كوابيسي
متحسساً جسدي
مغمضاً عيني
إلى الكوابيس القادمة
ولكن اسمح لي أيها الشاعر أن أصرخ في وجهك : لا .. لست خاسراً في مواجهاتك ، أنت تكسب ، وتكسبنا معك عطاء جميلاً لا ينضب .. فقد كان جميلاً استمهالك لأنه انتهى بنا وبك إلى ثمرة نضجت أكثر وتعتق الخمر في دنانه أكثر .. أذقتنا الحلاوة في مرارتك ، ونحن اليوم مصرون أن نتفاءل معك بربيع جميل ، ونردد خطابك لذاك الطيب الجميل :
أفرد جناحيك بما استطعت
من بقية الأحلام
فللأجنحة الفضاء
ولنا أن نراود الكرم عن عنقوده
والعنقود عن خمره المخبأ
وراء الستارات التي تخفي نوافذنا
التي ستبقى مشرعة للريح والمطر
وشمس الربيع الموعود
ت1 2007
هذه لمحة عن كتابات الشاعر بقلم صديقه القاص محمد عزوز نقلاً عن موقع انانا