حكاية المنحوس الذي يعضه الجحش
خطيب بدلة
لي صديق يدعى "أبوعبدو" يعمل في تجارة المواد الغذائية بالجملة، ولديه دكان كبيرة في سوق الخانات بإدلب. هذا الصديق يمتلك خاصية قلما تجدها عند غيره من الناس، فهو على ما يبدو متأثر بفلسفة سيد درويش في أغنيته عن الديك ويقول فيها: اضربها صرمة تعيش مرتاح!
أبو عبدو (ضاربها صرمة) ولذلك تراه يضحك على طول الخط، أو لعله يضحك فقط حينما يراني، باعتبار أن شخصيتي قريبة من شخصيته من حيث الميل إلى المرح والابتعاد عن النكد والحزن ووجع الدماغ.. وأنا كلما رأيته تتفتق قريحتي، وأحكي له بعض القصص المضحكة الجديدة فيسعده ذلك إلى أبعد الحدود، ويستمر في الضحك.
إن الضحكات العذبة التي يطلقها هذا الصديق تذكرني بأغنية قديمة لوديع الصافي تقول كلماتها (خربت، عمرت، بسيطة)..، وللحقيقة فإن هذه الكلمات تنطوي على كثير من الهزل واللامبالاة، فالعَمَار يستدعي المزيد من الفرح والغبطة، بينما الخراب هو قرين الشؤم والغم، فكيف يستويان عند كلمة "بسيطة"؟، أو يستويان عند الكلمة الأخرى التي يستخدمها الناس وليس لها ضريب في الفصحى، أقصد كلمة "طنش"؟
قال لي "أبوعبدو":
اسمع هذه القصة وخذ منها عبرة واكتبها في الجريدة: قبل حوالي سنة ترتب لي في ذمة أحد تجار المفرق مبلغاً من المال، طالبته به عبر الهاتف مرة ومرتين وعشراً وهو يسوِّف و"يطنش" حتى طفح بي الكيل فتركت دكاني وذهبت إليه، فوجدته يدفع لاثنين من الدائنين ديونهما، وبعد انصراف الدائنين ازدادت حالتي عصبية وقلت له:
- أريد أن أسمع منك جواباً على سؤال واحد فقط.. أنت كيف يخطر لك أن تدفع لغيري وأنا لا تدفع لي؟
فقال لي، من دون مواربة، ما معناه إن الرجلين اللذين كانا في زيارته لم يتركا له مجالاً للتسويف والمراوغة، فمذ وصلا إليه بدآا بإطلاق الشتائم والمسبات والتهديد بالقتل والضرب، وأحدهما كور قبضته وقربها من وجهي مهدداً، ولعلمك فإن هؤلاء لا يتورعون عن الضرب كما لم يتورعوا عن إطلاق الشتائم... وبما أنك أنت إنسان آدمي فأنا مضطر لأن أؤجل دفع ما لك بذمتي ما استطعت!
هذا الموقف ذكرني بقصة أجنبية قرأتها قبل حوالي ربع قرن عن فتية رأوا حماراً وديعاً واقفاً في الحارة، اقتربوا منه، وضايقوه، فلم يبدر منه أي رد فعل، كرروها مرات وهو صابر، فما كان منهم إلى أن حولوه إلى لعبة، أو كما يقول النحاة: ألعوبة.
وفي ذات يوم رأى الفتيان أحد زملاءهم راكضاً نحوهم وهو يصيح ويزعق وقد وضع يده تحت إبطه، وبدورهم أسرعوا إليه وأخذوا يسألونه عما جرى له، فقال لهم: الحمار!
قالوا: ما به الحمار؟ هرب؟ مات؟
قال: لا، ولكن إياكم أن تقتربوا منه أو تلاعبوه بعد اليوم.
قالوا: لماذا؟
قال: عضني!
وإذا كان الحديث عن الحمير يجر بعضه، اسمحوا لي أن أحدثكم عن زميل لنا حينما كنت موظفاً في الجهاز المركزي للرقابة المالية بإدلب اسمه "أبو حسن"، كانت له طريقة عجيبة في الكلام، فذات مرة سمع أحد الزملاء يتحدث عن سوء طالعه، فذكر لنا المثل القائل: (المنحوس إذا ركب على ظهر الجمل يعضه الكلب)، فاعترض أبو حازم قائلاً:
- أصل المثل أن المنحوس إذا ركب على ظهر الجمل يصبح مرتفعاً عن الأرض، فلا يستطيع الكلب أن يصل إليه ويعضه، ولكن معظم الكلاب- ركزوا معي- رشيقة، تستطيع أن تقفز عدة أمتار في الهواء وتأخذ اللقمة من فم الإنسان الطيب المسكين حتى ولو كان واقفاً على سطح البناية.. والحقيقة أن المثل الصحيح هو أن المنحوس إذا ركب على ظهر الجمل يعضه الجحش! هنا يبلغ النحس أوجه، فالجحش أساساً لا يعض، ومن فرط نحس هذا المنحوس يتعلم عادة العض، وما أحد أحسن من أحد.
خطيب بدلة
لي صديق يدعى "أبوعبدو" يعمل في تجارة المواد الغذائية بالجملة، ولديه دكان كبيرة في سوق الخانات بإدلب. هذا الصديق يمتلك خاصية قلما تجدها عند غيره من الناس، فهو على ما يبدو متأثر بفلسفة سيد درويش في أغنيته عن الديك ويقول فيها: اضربها صرمة تعيش مرتاح!
أبو عبدو (ضاربها صرمة) ولذلك تراه يضحك على طول الخط، أو لعله يضحك فقط حينما يراني، باعتبار أن شخصيتي قريبة من شخصيته من حيث الميل إلى المرح والابتعاد عن النكد والحزن ووجع الدماغ.. وأنا كلما رأيته تتفتق قريحتي، وأحكي له بعض القصص المضحكة الجديدة فيسعده ذلك إلى أبعد الحدود، ويستمر في الضحك.
إن الضحكات العذبة التي يطلقها هذا الصديق تذكرني بأغنية قديمة لوديع الصافي تقول كلماتها (خربت، عمرت، بسيطة)..، وللحقيقة فإن هذه الكلمات تنطوي على كثير من الهزل واللامبالاة، فالعَمَار يستدعي المزيد من الفرح والغبطة، بينما الخراب هو قرين الشؤم والغم، فكيف يستويان عند كلمة "بسيطة"؟، أو يستويان عند الكلمة الأخرى التي يستخدمها الناس وليس لها ضريب في الفصحى، أقصد كلمة "طنش"؟
قال لي "أبوعبدو":
اسمع هذه القصة وخذ منها عبرة واكتبها في الجريدة: قبل حوالي سنة ترتب لي في ذمة أحد تجار المفرق مبلغاً من المال، طالبته به عبر الهاتف مرة ومرتين وعشراً وهو يسوِّف و"يطنش" حتى طفح بي الكيل فتركت دكاني وذهبت إليه، فوجدته يدفع لاثنين من الدائنين ديونهما، وبعد انصراف الدائنين ازدادت حالتي عصبية وقلت له:
- أريد أن أسمع منك جواباً على سؤال واحد فقط.. أنت كيف يخطر لك أن تدفع لغيري وأنا لا تدفع لي؟
فقال لي، من دون مواربة، ما معناه إن الرجلين اللذين كانا في زيارته لم يتركا له مجالاً للتسويف والمراوغة، فمذ وصلا إليه بدآا بإطلاق الشتائم والمسبات والتهديد بالقتل والضرب، وأحدهما كور قبضته وقربها من وجهي مهدداً، ولعلمك فإن هؤلاء لا يتورعون عن الضرب كما لم يتورعوا عن إطلاق الشتائم... وبما أنك أنت إنسان آدمي فأنا مضطر لأن أؤجل دفع ما لك بذمتي ما استطعت!
هذا الموقف ذكرني بقصة أجنبية قرأتها قبل حوالي ربع قرن عن فتية رأوا حماراً وديعاً واقفاً في الحارة، اقتربوا منه، وضايقوه، فلم يبدر منه أي رد فعل، كرروها مرات وهو صابر، فما كان منهم إلى أن حولوه إلى لعبة، أو كما يقول النحاة: ألعوبة.
وفي ذات يوم رأى الفتيان أحد زملاءهم راكضاً نحوهم وهو يصيح ويزعق وقد وضع يده تحت إبطه، وبدورهم أسرعوا إليه وأخذوا يسألونه عما جرى له، فقال لهم: الحمار!
قالوا: ما به الحمار؟ هرب؟ مات؟
قال: لا، ولكن إياكم أن تقتربوا منه أو تلاعبوه بعد اليوم.
قالوا: لماذا؟
قال: عضني!
وإذا كان الحديث عن الحمير يجر بعضه، اسمحوا لي أن أحدثكم عن زميل لنا حينما كنت موظفاً في الجهاز المركزي للرقابة المالية بإدلب اسمه "أبو حسن"، كانت له طريقة عجيبة في الكلام، فذات مرة سمع أحد الزملاء يتحدث عن سوء طالعه، فذكر لنا المثل القائل: (المنحوس إذا ركب على ظهر الجمل يعضه الكلب)، فاعترض أبو حازم قائلاً:
- أصل المثل أن المنحوس إذا ركب على ظهر الجمل يصبح مرتفعاً عن الأرض، فلا يستطيع الكلب أن يصل إليه ويعضه، ولكن معظم الكلاب- ركزوا معي- رشيقة، تستطيع أن تقفز عدة أمتار في الهواء وتأخذ اللقمة من فم الإنسان الطيب المسكين حتى ولو كان واقفاً على سطح البناية.. والحقيقة أن المثل الصحيح هو أن المنحوس إذا ركب على ظهر الجمل يعضه الجحش! هنا يبلغ النحس أوجه، فالجحش أساساً لا يعض، ومن فرط نحس هذا المنحوس يتعلم عادة العض، وما أحد أحسن من أحد.