حكاية المنحوس الذي عضه الكلب
خطيب بدلة
بعد الفصل البائخ الذي ارتكبه بطل سيرتنا خالد وهج النار في دكان الميكانيكي أبي محمود، إذ حول فردتي حذائه إلى فردة سميكة مصفحة.. أعاده أبو محمود إلى أبيه سليماً معافى، أو كما كان يقول بائعو الكدش: (صاغ سليم على البيطار!)، وتعني أن هذا الفتى، عفواً هذا الكديش سليم معافى، ومن لا يصدق كلامنا فليذهب به إلى الحكيم البيطري ويفحصه ويتأكد من صحته. أجل، لقد أعاده إليه، سليماً، أو كما يقول تجار السيارات اليوم (خالي العَلام)!
وضعت أم خالد رأسها على كتف أبي خالد وانفلت الإثنان في بكاء مرير استمر لحظات، ثم سرعان ما كفكف أبو خالد دموعه وحمل الزنار الجلدي الذي ينتهي ببزيم حديدي ثقيل وشرع يضرب به خالداً كيفما اتفق، وخالد مندهش يقول لأبيه بلا انقطاع:
يا أبي الله يصلحك، قبل قليل كنت بعقلك، أيش جننك هكذا من دون سبب؟!
وبعد أن أنشب بزيم الحزام الدم من أماكن مختلف من رأس خالد ووجهه، ونبقت له على إثر ذلك مجموعة من الكدمات التي تسمى الواحدة منها في إدلب (البعجورة)، وفي الشام (النبيرة)، توقف أبو خالد عن الضرب، وسحب ابنه كما اعتاد أن يسحبه من أذنه التي استطالت من كثرة ما يسحبه منها، ومضى به إلى منزل الحاج سليم الباطور صاحب البوسطة التي تنقل الركاب بين إدلب وحلب.
بعد سلام موجز قال أبو خالد وكأنه يكمل حديثاً سابقاً:
أخي هذا الولد جنني، طفرني، ما عادت لي قدرة على رؤيته، خذه معك في البوسطة، إلى حلب، دعه يشتغل معاوناً، أو ما شئت، ..
فجأة ضحك أبو خالد إذ خطرت له فكرة جهنمية، وقال:
اسمع، أنا أرى أن تضعه في عدل من الخيش وتلقيه على ظهر البوسطة، وحينما تصل إلى قرية أبعد من كفر حلب، أو أورم الصغرى، أنزله وافلته في البرية مثلما تفعل بقط تريد أن (تودره)، ولك علي أن لا أطالبك به، وإذا قتل لا أطالبك بحق دمه!
ثم ترك ابنه وغادر المكان دون أن يكلف خاطره عناء الانتظار ليسمع موافقة الحاج سليم على تشغيله، أو (توديره).
فوجىء الحاج سليم بهذا التصرف العصبي الذي قام به أبو خالد وهج النار، ثم فوجىء أكثر حينما شرع الفتى خالد يسأله أسئلة من تلك التي تجعل الإنسان يدخل في الحائط، أو يضرب رأسه بأقرب حائط، كان خالد يقول ببرود:
قل لي عمي حاج سليم، إذا كنت أنا أسوق السيارة وجاء أمامي فجأة كلب أو قط أو خروف أو جحش، ماذا أفعل؟ هل أدعسه وأمشي؟ أم ألف المقود إلى اليمين أو اليسار؟ يا ترى وقتها ألا تتوقع أن أضرب جداراً أو أقلع شجرة أو عمود كهربا من جانب الطريق؟ وما رأيك بالسرعة؟ إذا أسرعت الا تتوقع أن أتعرض إلى حادث؟ وإذا مشيت على مهلي ألا أؤخر الركاب عن أشغالهم وأجعلهم يعانون من الملل؟ وإذا كان معي ركاب سينزلون في تفتناز ويتابعون طريقهم إلى الشام، هل آخذ ركاباً غيرهم من الطريق؟ وإذا كنت أنا أسوق، من الذي سيجمع الغلة؟
بلع الحاج سايم ريقه، وصلى على النبي وحوقل ثم سأل خالداً:
أنت تعرف تسوق السيارة ولاك؟
قال خالد: لا والله.
ووقتها تحمى وصفعه بكف جعل فمه يذهب بكامله نحو اليسار، ثم صفعه كفاً معاكساً أعاد له فمه إلى حيث كان، وقال له:
اسمع ولاك، أنا عقلي من دون شيء مالص، فإذا كنت تريد أن تشتغل معاوناً على البوسطة أنا موافق أن تشتغل، وسوف أجربك في نقلة واحدة، وبعدها إما أن تبقى معنا أو تنقلع إلى بيت أبيك، الله لا يردك!
خلال هذه (النقلة) حصل الأمر العجيب الذي سأحدثكم عنه.
بينما كانت البوسطة راجعة من حلب، توقفت في قرية "معارة النعسان"، وطلب السائق من المعاون خالد أن يصعد إلى ظهر الباص ويناول الركاب النازلين أغراضهم. وهناك، على ظهر البوسطة، أمسك خالد بأحد الأكياس فأحس بداخله حركة مريبة، فتح فوهته ومد يده وإذا بداخله كلب سرعان ما أمسك بيده وعضها!
مساء، أعاد سائق الباص خالداً لأبيه وقال له:
إبنك يا أبو خالد منحوس، والمنحوس إذا ركب على ظهر البوسطة يعضه الكلب!
خطيب بدلة
بعد الفصل البائخ الذي ارتكبه بطل سيرتنا خالد وهج النار في دكان الميكانيكي أبي محمود، إذ حول فردتي حذائه إلى فردة سميكة مصفحة.. أعاده أبو محمود إلى أبيه سليماً معافى، أو كما كان يقول بائعو الكدش: (صاغ سليم على البيطار!)، وتعني أن هذا الفتى، عفواً هذا الكديش سليم معافى، ومن لا يصدق كلامنا فليذهب به إلى الحكيم البيطري ويفحصه ويتأكد من صحته. أجل، لقد أعاده إليه، سليماً، أو كما يقول تجار السيارات اليوم (خالي العَلام)!
وضعت أم خالد رأسها على كتف أبي خالد وانفلت الإثنان في بكاء مرير استمر لحظات، ثم سرعان ما كفكف أبو خالد دموعه وحمل الزنار الجلدي الذي ينتهي ببزيم حديدي ثقيل وشرع يضرب به خالداً كيفما اتفق، وخالد مندهش يقول لأبيه بلا انقطاع:
يا أبي الله يصلحك، قبل قليل كنت بعقلك، أيش جننك هكذا من دون سبب؟!
وبعد أن أنشب بزيم الحزام الدم من أماكن مختلف من رأس خالد ووجهه، ونبقت له على إثر ذلك مجموعة من الكدمات التي تسمى الواحدة منها في إدلب (البعجورة)، وفي الشام (النبيرة)، توقف أبو خالد عن الضرب، وسحب ابنه كما اعتاد أن يسحبه من أذنه التي استطالت من كثرة ما يسحبه منها، ومضى به إلى منزل الحاج سليم الباطور صاحب البوسطة التي تنقل الركاب بين إدلب وحلب.
بعد سلام موجز قال أبو خالد وكأنه يكمل حديثاً سابقاً:
أخي هذا الولد جنني، طفرني، ما عادت لي قدرة على رؤيته، خذه معك في البوسطة، إلى حلب، دعه يشتغل معاوناً، أو ما شئت، ..
فجأة ضحك أبو خالد إذ خطرت له فكرة جهنمية، وقال:
اسمع، أنا أرى أن تضعه في عدل من الخيش وتلقيه على ظهر البوسطة، وحينما تصل إلى قرية أبعد من كفر حلب، أو أورم الصغرى، أنزله وافلته في البرية مثلما تفعل بقط تريد أن (تودره)، ولك علي أن لا أطالبك به، وإذا قتل لا أطالبك بحق دمه!
ثم ترك ابنه وغادر المكان دون أن يكلف خاطره عناء الانتظار ليسمع موافقة الحاج سليم على تشغيله، أو (توديره).
فوجىء الحاج سليم بهذا التصرف العصبي الذي قام به أبو خالد وهج النار، ثم فوجىء أكثر حينما شرع الفتى خالد يسأله أسئلة من تلك التي تجعل الإنسان يدخل في الحائط، أو يضرب رأسه بأقرب حائط، كان خالد يقول ببرود:
قل لي عمي حاج سليم، إذا كنت أنا أسوق السيارة وجاء أمامي فجأة كلب أو قط أو خروف أو جحش، ماذا أفعل؟ هل أدعسه وأمشي؟ أم ألف المقود إلى اليمين أو اليسار؟ يا ترى وقتها ألا تتوقع أن أضرب جداراً أو أقلع شجرة أو عمود كهربا من جانب الطريق؟ وما رأيك بالسرعة؟ إذا أسرعت الا تتوقع أن أتعرض إلى حادث؟ وإذا مشيت على مهلي ألا أؤخر الركاب عن أشغالهم وأجعلهم يعانون من الملل؟ وإذا كان معي ركاب سينزلون في تفتناز ويتابعون طريقهم إلى الشام، هل آخذ ركاباً غيرهم من الطريق؟ وإذا كنت أنا أسوق، من الذي سيجمع الغلة؟
بلع الحاج سايم ريقه، وصلى على النبي وحوقل ثم سأل خالداً:
أنت تعرف تسوق السيارة ولاك؟
قال خالد: لا والله.
ووقتها تحمى وصفعه بكف جعل فمه يذهب بكامله نحو اليسار، ثم صفعه كفاً معاكساً أعاد له فمه إلى حيث كان، وقال له:
اسمع ولاك، أنا عقلي من دون شيء مالص، فإذا كنت تريد أن تشتغل معاوناً على البوسطة أنا موافق أن تشتغل، وسوف أجربك في نقلة واحدة، وبعدها إما أن تبقى معنا أو تنقلع إلى بيت أبيك، الله لا يردك!
خلال هذه (النقلة) حصل الأمر العجيب الذي سأحدثكم عنه.
بينما كانت البوسطة راجعة من حلب، توقفت في قرية "معارة النعسان"، وطلب السائق من المعاون خالد أن يصعد إلى ظهر الباص ويناول الركاب النازلين أغراضهم. وهناك، على ظهر البوسطة، أمسك خالد بأحد الأكياس فأحس بداخله حركة مريبة، فتح فوهته ومد يده وإذا بداخله كلب سرعان ما أمسك بيده وعضها!
مساء، أعاد سائق الباص خالداً لأبيه وقال له:
إبنك يا أبو خالد منحوس، والمنحوس إذا ركب على ظهر البوسطة يعضه الكلب!