قصة : أم سليمان
علي الصيرفي
هل سمع أحد منكم بأم سليمان؟ امرأة في الستين من عمرها ،تعيش في بيت متواضع فيه فسحة سماوية ،وعريشة عنب والكثير من تنكات السمن الفارغة التي حولتها إلى أصص لزراعة الزهور والرياحين في بيتها البسيط .
أقمت عندها في غرفة تصلها بدرج رجاج تخشى أن يسقط فيك وأنت تسير فوقه ،فهو مصنوع من الخشب النابج من مياه الأمطار وأشعة الشمس وكل عوامل الطبيعة ، في إحدى المرات زارني صديقي وبعد أن تناولنا الشاي ، رحت أقلد صوت القطة وراح صوتي يعلو ويرتفع حتى جاءت أم سليمان وهي تقول بصوتها المتهدج :
يا وليد ..... يا وليد حرام عليك ،اترك القطة تخرج لأنها ستدعو عليك ،وسيغضب عليك رب العالمين .
سكت لفترة وجيزة ريثما سكتت أم سليمان ، وعندما سمعت صوت باب غرفتها يغلق ،رحت أقلد صوت الديك وبصيحات طويلة ومتتالية فما كان من أم سليمان إلا أن أسرعت صاعدة على درج غرفتي(عليتي) المهزوز من تعب أعصابه وقالت بصوتها المخنوق : يا وليد ،أجرت الغرفة لبني آدم وليس لتربية الدجاج ... ما هذا يا وليد ، سكت وحبست النفس ،ولم أعد أتحرك حتى ساد الصمت وتأكدت أم سليمان بأن الصوت لم يكن من غرفتي وإنما من سطح الجيران ،كنت أسمع وقع أقدام أم سليمان وهي تهبط الدرج ،كانت الأمطار تهطل بقوة حتى أن سقف الغرفة راح يدلف منه الماء فوضعت صحناً كبيراً كانت حبات الماء تنقط فيه فتصدر صوتاً ينقر في رأسي قال لي صديقي : ما هذه العيشة يا وليد ، والله ولا عيشة الكلاب ، عندما سمعت هذه الكلمة ضحكت كثيراً ثم رحت أعوي بصوت عال وأنبح بشكل يضاهي كل كلاب حي الأسعدية حيث هذاهو اسم الحارة التي أسكن فيها ولا يضاهي نباحي إلا عرير ضبع الأسعدية الذي أرعب أهل الحي كلهم ، حتى أن سكان الحارة كانوا يمتنعون عن الخروج من بيوتهم بعد صلاة العشاء ، لأنهم يؤمنون بأن ضبع الأسعدية يسرح في شوارع الحي ، ويلجأ إلى البساتين المجاورة بعد النيل من فريسته ، التي لم تزيد كما يقال عن دجاجة أو ديك حبش وفي بعض الأحيان خروفاً ، قلت في نفسي أشك في هذا الضبع ...! والله لن يكون إلا لصاً نشر تلك الإشاعة كي لا يفطن به أهل الحي ، قال لي صديقي : ما سر التيس الذي يدر حليباً ويشفي الكثير من الأمراض والحالات المستعصية ، وما بال تلك المرأة التي تقرأ الطالع وتعيد المفقود ، وتزوج المتعثرة في الحصول على عريس ، قال ذلك وأردف متعجباً :
ولم لا تروج هذه الأمور إلا في بلادنا دون سائر خلق الله ،هل العيب فينا أم في هذا العالم ،قلت له لا بل و و و وتداركت كلامي :
سألتني امرأة على نياتها متعجبة كيف يثقبون الإبرة التي تُدخل في جسمنا الدواء ،كان بائع السحلب يصيح في الشارع بصوته الرخيم "سحلب سخن " سحلب ويتبع ذلك بكلمة يا كريم ، الأولاد يتراكضون نحوه يحمل كل واحد منهم صحناً أو إبريقاً ليملأه بالسحلب الرائع المذاق ، كانت رائحة السحلب تدخل البيوت بدون استئذان ، حتى أن النسوة كن يطلبن من أزواجهن شراء السحلب لهن لأنه كثير الفوائد ولذيذ الطعم ، ووجبة الإفطار منه لا مثيل لها ، حملت الصحن مسرعاً لأشتري القليل من السحلب لكنني فوجئت بالقطة وقد وضعت صغارها الأربعة على عتبة غرفتي البائسة وكأنها تطلب اللجوء إلي وإلى غرفتي التعيسة من الطبيعة التي أغرقت كل شيء بأمطارها ، قلت لصديقي : ادخل هذه المسكينة ريثما أجلب السحلب ،وركضت مسرعاً أجتاز جسر نهر كواي أو درج أم سليمان العظيم ، عندما رجعت إلى الغرفة تجمعت القطة مع صغارها حول صحن السحلب وراحوا يلعقونه بنهم وهدير جميل أشعرني بالحنين إلى أمي عندما كانت تضعني في حضنها تطعمني الحريرة ، قال لي صديق وهو يهم بالخروج ليعود إلى بيته تصبح على خير ياوليد أنت وأسرتك الجديدة سلم على أم سليمان وخرج .
علي الصيرفي
هل سمع أحد منكم بأم سليمان؟ امرأة في الستين من عمرها ،تعيش في بيت متواضع فيه فسحة سماوية ،وعريشة عنب والكثير من تنكات السمن الفارغة التي حولتها إلى أصص لزراعة الزهور والرياحين في بيتها البسيط .
أقمت عندها في غرفة تصلها بدرج رجاج تخشى أن يسقط فيك وأنت تسير فوقه ،فهو مصنوع من الخشب النابج من مياه الأمطار وأشعة الشمس وكل عوامل الطبيعة ، في إحدى المرات زارني صديقي وبعد أن تناولنا الشاي ، رحت أقلد صوت القطة وراح صوتي يعلو ويرتفع حتى جاءت أم سليمان وهي تقول بصوتها المتهدج :
يا وليد ..... يا وليد حرام عليك ،اترك القطة تخرج لأنها ستدعو عليك ،وسيغضب عليك رب العالمين .
سكت لفترة وجيزة ريثما سكتت أم سليمان ، وعندما سمعت صوت باب غرفتها يغلق ،رحت أقلد صوت الديك وبصيحات طويلة ومتتالية فما كان من أم سليمان إلا أن أسرعت صاعدة على درج غرفتي(عليتي) المهزوز من تعب أعصابه وقالت بصوتها المخنوق : يا وليد ،أجرت الغرفة لبني آدم وليس لتربية الدجاج ... ما هذا يا وليد ، سكت وحبست النفس ،ولم أعد أتحرك حتى ساد الصمت وتأكدت أم سليمان بأن الصوت لم يكن من غرفتي وإنما من سطح الجيران ،كنت أسمع وقع أقدام أم سليمان وهي تهبط الدرج ،كانت الأمطار تهطل بقوة حتى أن سقف الغرفة راح يدلف منه الماء فوضعت صحناً كبيراً كانت حبات الماء تنقط فيه فتصدر صوتاً ينقر في رأسي قال لي صديقي : ما هذه العيشة يا وليد ، والله ولا عيشة الكلاب ، عندما سمعت هذه الكلمة ضحكت كثيراً ثم رحت أعوي بصوت عال وأنبح بشكل يضاهي كل كلاب حي الأسعدية حيث هذاهو اسم الحارة التي أسكن فيها ولا يضاهي نباحي إلا عرير ضبع الأسعدية الذي أرعب أهل الحي كلهم ، حتى أن سكان الحارة كانوا يمتنعون عن الخروج من بيوتهم بعد صلاة العشاء ، لأنهم يؤمنون بأن ضبع الأسعدية يسرح في شوارع الحي ، ويلجأ إلى البساتين المجاورة بعد النيل من فريسته ، التي لم تزيد كما يقال عن دجاجة أو ديك حبش وفي بعض الأحيان خروفاً ، قلت في نفسي أشك في هذا الضبع ...! والله لن يكون إلا لصاً نشر تلك الإشاعة كي لا يفطن به أهل الحي ، قال لي صديقي : ما سر التيس الذي يدر حليباً ويشفي الكثير من الأمراض والحالات المستعصية ، وما بال تلك المرأة التي تقرأ الطالع وتعيد المفقود ، وتزوج المتعثرة في الحصول على عريس ، قال ذلك وأردف متعجباً :
ولم لا تروج هذه الأمور إلا في بلادنا دون سائر خلق الله ،هل العيب فينا أم في هذا العالم ،قلت له لا بل و و و وتداركت كلامي :
سألتني امرأة على نياتها متعجبة كيف يثقبون الإبرة التي تُدخل في جسمنا الدواء ،كان بائع السحلب يصيح في الشارع بصوته الرخيم "سحلب سخن " سحلب ويتبع ذلك بكلمة يا كريم ، الأولاد يتراكضون نحوه يحمل كل واحد منهم صحناً أو إبريقاً ليملأه بالسحلب الرائع المذاق ، كانت رائحة السحلب تدخل البيوت بدون استئذان ، حتى أن النسوة كن يطلبن من أزواجهن شراء السحلب لهن لأنه كثير الفوائد ولذيذ الطعم ، ووجبة الإفطار منه لا مثيل لها ، حملت الصحن مسرعاً لأشتري القليل من السحلب لكنني فوجئت بالقطة وقد وضعت صغارها الأربعة على عتبة غرفتي البائسة وكأنها تطلب اللجوء إلي وإلى غرفتي التعيسة من الطبيعة التي أغرقت كل شيء بأمطارها ، قلت لصديقي : ادخل هذه المسكينة ريثما أجلب السحلب ،وركضت مسرعاً أجتاز جسر نهر كواي أو درج أم سليمان العظيم ، عندما رجعت إلى الغرفة تجمعت القطة مع صغارها حول صحن السحلب وراحوا يلعقونه بنهم وهدير جميل أشعرني بالحنين إلى أمي عندما كانت تضعني في حضنها تطعمني الحريرة ، قال لي صديق وهو يهم بالخروج ليعود إلى بيته تصبح على خير ياوليد أنت وأسرتك الجديدة سلم على أم سليمان وخرج .