غدر الزمان
خديجة سعيد بدور
الكتابة القصصية تفسر الواقع من خلال قوة الكلام
والقدرة على الوصف المدهش في عرض الحدث
إن المعيار الذي بواسطته نحكم على العمل الكتابي، وتعريفه بأنه عمل قصصي ،هو أن اختيارنا قد جاء نتيجة التكثيف والتدوير للمكتوب، وغالباً ما نفترض أن الكاتب في كثير من الأحيان قد تابع الحدث وعايشه، ضمن مواكبة متفاعلة ،لا يريد أن يتوقف دون أن يكمل مراحل بناءه، لذلك نراه يمعن الدخول في حقول اللغة والأسلوب، ليصنع مفهوماً يؤسس عليه قصاً تكون وظيفته أن يتطابق نوعاً ووصفاً مع مفهوم اكتملت دلالاته لحظة تكون القصة، فنلاحظ أن الكتابة لا تكون قائمة بذاتها منعزلة مستقلة، بل تسعى إلى تبوء مكانةِ في علم اللغة لذلك نرى الأدباء يميلون إلى الوصف في البلاغة لتكون الصور عبر ديباجة الكلام هي موطئ القص ومدخله ، وهذا العمل في الكتابة القصصية نراه معمولاً عند أغلب الكتاب رغم تباين أعمالهم ،فالقص يحتاج إلى سرد صوري وصفي يشكل المفهوم الدقيق للقص دون سرد يحمل صوراً لأشخاص تمثل الزمن الراهن ولا يصل إلى الدرجة المتعمقة والمتفاعلة مع التنوع والدقة ،ولو دخلنا ساحة العمل الأدبي الذي قدمته الأديبة خديجة بدور بعنوان غدر الزمان كقصص ترصد لنا الزمان وما فيه من تقلبات وعرات لوصلنا إلى نتيجة تؤكد صحة مقولتنا بأن الكتابة القصصية هي الأصعب في تمردها على محاولات من لا يعرف دهاليز ساحاتها
1- إن الكتابة القصصية تفسر الواقع من خلال قوة الكلام والقدرة على الوصف المدهش في عرض الأحداث ، والمنطق في استعادة المحكي حتى لو جاء مجزأً ،فالتواصل بين القص والواقع يخضع للتجربة وذلك عن طريق سلسلة من عمليات التوغل في الحدث فالكتابة القصصية ظاهرة معقدة تتطلب توتراً نادراً في الفكر ومن المؤكد أنها في بعض الأحيان تصل إلى هدفها من المرة الأولى ،فالحركة المحكية التي تنحدر منها القصة تتضمن طوائف من الصور، فالقص مزاوجة بين المفردات والصور ، والكاتب الناجح ،هو القادر على تفعيل هذه الصور وإدخالها في عمليات الفكر كي نعيها.ويوضح طرائق استخدامها ، وبهذه القيمة يتحول التأمل والمتعة الناجمة عن الصور إلى جعل الاهتمام يتجه نحو الكلام المحكي يصيغه الوعي الفكري إلى قص. ( لكن علة أبي صالح المزاح المتواصل مع الداخل والخارج من عنده بعكس زوجته التي كانت جدية رزينة بالإضافة إلى كرمها ومساعدتها للمحتاجين مثل زوجها أبي صالح) ص7 ولكننا لو نظرنا إلى الحدث الذي يزخر بهذيان التفسير فلن نتعجب من عمل الكاتبة كيف قدمت هذا الرجل ( أبو صالح) وكيف وظفت مزحة غريبة الإنتاج، أدت إلى خراب بيت ودمار أسرة نتيجة مصادفة غريبة فكلمات العم أبو صالح جاءت مطابقة للواقع ، فالشامة التي ذكرها أبو صالح موجودة بالحقيقة على فخذ المرأة أم الولد .... فعندما توافقت المطابقة مع الصورة(المزحة ) وسمعها والد الصبي ... نزلت المصيبة ، طلق الزوج زوجته لأنه صدق المزحة التي جاءت صحيحة ومطابقة لشامة الزوجة. لقد استخدمت المزحة بأسوأ صورة لها فجاء العيب في القصة لتشويهها الظرف والنكتة ومكانة الرجل المحترم، كيف يطلق رصاصة من فمه تهدم كيان أسرة هانئة . إن هذا التوظيف رغم الصنعة والتكلف في جعل المطابقة بين المزحة والواقع فإنها لا تؤدي الغرض المطلوب فالطرفة غاية بحد ذاتها وهي تقوم على أسس فعالة في خلق الزمن الحافل بالمسرة . حتى أن المزحات التي يرويها أبو صالح فاقدة لكل فائدة ... مثل (تفقدت أذني أمك صباحاً فيجب الطفل :لا فيقول أبو صالح : لقد أكلهما والدك في المساء)ص 7 إن الهدف من سوق هذه الأفكار عند الأديبة أريد بها صالح المجتمع لكن المفاهيم التي وضعت فيها لا يمكنها أن توصل إلى بر الأمان ، فقد أكد الكتّاب أن تستعمل المكونات السليمة التي تتميز بمقدمات سليمة فتعطي نتائج صحيحة وهذا الخطأ يبدو مدوياً في كتابة السيدة خديجة بدور عندما زاوجت بين المقدس والخطأ مبررة الخطأ ومعلنة أن ذلك جاء غاية كالصرخة المخيفة التي تجعل الخطأ مبرراً .
2-
من يتابع سيرورة الحدث يرى بأن الكاتبة وصفت بطلها بكل الصفات الحميدة في قصة (الأمانة ) ثم ناقضت كل ما قدمته من جمال ( كان شاباً رائع الجمال ذا جبين وضاح وعينين عسليتين صافيتين ... كان لا يفتن الناظر بجماله البدني ، بل يخلب اللب بطيبة قلبه وصراحة طبعه واستقامة نفسه بعيداً عن الغرور والرذائل) ص11 وبعد كل هذا الوصف نرى التطابق بين القيم واللاقيم بشكل يدل على التهاون في رصد الحدث وكأن المجتمع الذي نعيش فيه....يتجاوز كل الأمور ويحرر نفسه من المآزق بسهولة وهذا لا يطابق الواقع فالشهادة في سبيل الوطن شيء مقدس والتضحية بالروح لا يقارنان بالخطيئة والحمل خارج الأطر الاجتماعية المعترف بها ، لا يمكن تبريره في مجتمع يتعلق بالمقدس ويحافظ على القيم ،والأمانة كلمة غالية الثمن، ولا يمكن هدرها بل يتمسك بها المجتمع بقوة وصرامة ، أم الأديبة فقد خلطت الأمور ببعضها رغم أن قصدها سليم لكن مفاهيم الوعي هذه تكاد لا تعبر عن الأهمية التي تثيرها في الحكم على ما تريد ه هي ، مخالفة بذلك شروط المجتمع وهذا يتضافر مع نشاط فكر المتلقي الواعي، الذي يستطيع فرز الصحيح من الخطأ. والأديبة لم تفرق بين الأهمية المقدمة من خلال القص والتضارب الذي وقعت به الكاتبة من خلال الخلط بين الذاتي والجمعي . ( الآن أمامكم أحلف بروحه الطاهرة وبأنني على عهدي له أمامكم وأمام الله وأمام نفسي لن أكون إلا له مهما حصل ولقد سلمته روحي وجسدي قبل موعد زفافنا عندما كنا في دمشق نجهز لعرسنا ولست نادمة على ذلك ) ص16 3- لقد أسهم التقبل المحتم لنقل الصور والمضي في التماهي بإزاحة المفهوم إسهاماً من قبل الأديبة في صرف معظم السرد إلى التبسيط والتسهيل والتحلل من الأعراف والعادات ، فهي تجد لذلك تبريراً من ناحية التسلسل والتهاون من قبلها وتمرير ذلك على المجتمع كله، وبتصورها وحدها وهذا رأيها. إن الحركة الكلامية التي تحمل مجموعة الصور التي ترسلها الأديبة تجمع الكثير من الأحداث التي تخنق القص وتجعله مزاجي غامض ، فتبرير الكذب وتحويله فضيلة يضعف المردود العام من القص ، ويربك المتلقي لأنه سيظن بأن أخلاقيات السارد تتناسب مع ما يصله لأن القص يؤكد ذاتية الأديب. ( عاش أبو حمدان عمره والكل مصدق لهذه الأكذوبة ... لكن أبا حمدان وحده يعلم الحقيقة .استطاع أبو حمدان بمحبة الناس له وتلبية طلباته أن يشتري أرضاً ،وعاش عيشة رغيدة بسبب كذبة كذبها فصدقها الجميع ) ص 21 إن مفهوم دور الوعي في عملية سرد القصة يعتبر صاحب أهمية كبرى، وإن الجملة التي يصيغها تحمل في ذاتها فكرنا الواعي، وهذه الجملة تبرز الحدث إلى العالم ،فالقص مجموعة من الخيوط تربط مصائر بعضها، والقص يوفر ما يجهله المتلقي ولا يعمل على تضليله، ويجلب له الطمأنينة لما يسرد، وتتابع الأديبة حكائيتها المكررة والتي ظلت تراوح في جانب واحد ،حتى عند الاعتراف بالخطأ نجدها تترك الخطأ سيد الموقف ليدخل الكائن في خطأ ثان وثالث ورابع، وإلى ما لا نهاية فاعتراف الزوجة لزوجها بالخيانة وتقبل الزوج الخيانة وعدم التحدث حول هذا الموضوع أو الهيجان أو حتى الغيرة يدفع بالزوجة إلى ارتكاب الخطأ من جديد ، وتستمر القاصة في سرد ما يروق لها من حكايات ظانة أنها أوجدت شيئاً جديداً غير أنها دون أن تدري .... تعيد ما ورد في كتابات بعض الكتاب وخاصة في سرد قصة المدرس محمد مدرس مادة الرياضيات فالقاصة لا أعتقد أنها لم تراها في حكايات الممثل ياسر العظمة التي بثها التلفزيون .... وهذا يدل على عدم اكتراث الأديبة بالتمعن بما تكتب من قص وعدم البحث عن حدث محبوك بعناية وتبصر ،وهذا يوحي بأنها تريد كتابة أحداث لم تتأثر بها ولم تبذل جهداً في إيجادها، وهذا واضح في قصة "اعتراف". ( عزيزي لا تنس أن تتصل بأستاذ الرياضيات كي يحضر إلى البيت لإعطاء ابنك دروسه) ص162 وتعود الزوجة لتذكر زوجها صاحب المركز الأمني الكبير بإحضار مدرس الرياضيات لابنهما المدلل . ( رن جرس الهاتف الخاص في مكتب (سي السيد ) رفع السماعة بامتعاض ثم أجاب : خير ؟كانت الزوجة هي المتصلة الزوجة لم يأت أستاذ الرياضيات هل نسيت أن تتصل به ؟ ) ص163- 164 بعد هذه المحادثة السريعة يطلب الرجل المهم من عناصره احضار المدرس وتمضي الأمور على هذا الشكل حيث يستغرق الرجل المهم وزوجته حياتهما الخاصة، فيسافرا إلى منتجع وتدور حوارات جميلة تعيد أيام الماضي الرائع فتتذكر الزوجة مدرس الرياضيات ... فتقول لم ترسل لابننا مدرس الرياضيات ... يجيبها الزوج الهام بل أرسلته ألم يصل منذ عدة أيام ... هنا تبرز العقدة ... الرجل معتقل عند عناصر الرجل المهم لأنهم لا يفهمون سوى جلب الناس وزجهم في الزنازين دون معرفةٍ لأسباب اعتقالهم . وهذا توظيف لم تبحث عنه الكاتبة بل جاءت به دون جهد ..... كان الأجدر بها أن تعيد حبك القصة بشكل يجعل تقنيات القصة تبرز بحداثتها وأهميتها وهناك زلات كثيرة وقعت بها القاصة حيث دفعت بمنهدس طيران إلى التسول ليؤمن ثمن دواء لابنته ، فقد بررت التسول بسبب الظروف الصحية للابنة ولكن في سياق التعريف بالأب المنكوب مسبقاً وكأنما أرادت أن تجعل كل النكبات قد لحقت بهذا الزوج، فهو فلسطيني طرد من وطنه ولجأ إلى سورية ودرس في كلية هندسة الطيران وتخرج مهندساً طياراً، ثم ظهر مرض ابنته ... فتحول إلى متسول يقف على أبواب الفنادق الكبرى ويعرِّف عن نفسه ويطلب المال من المرتادين لهذه الفنادق وكأن التسول قضية سهلة ومسموح بها في قيمنا ولا توجد موانع تحد من هذه الظاهرة ، إنها إحدى السلبيات التي وقعت بها الكاتبة . من خلال ما تقدم لم تتمكن الأدبية من توفير الإقناع في ما قدمته بقدر ما يعرفه المتلقي عن جماليات القص رغم محاولتها في خلق التواصل النفسي والإنساني بهدف التغلغل من خلال السرد إلا أنها أضعفت عملية الإبداع لأنها خاضت التجربة بشكل يناقض كتابة القصة الفنية وأهدافها الحقيقية.
علي الصيرفي
خديجة سعيد بدور
الكتابة القصصية تفسر الواقع من خلال قوة الكلام
والقدرة على الوصف المدهش في عرض الحدث
إن المعيار الذي بواسطته نحكم على العمل الكتابي، وتعريفه بأنه عمل قصصي ،هو أن اختيارنا قد جاء نتيجة التكثيف والتدوير للمكتوب، وغالباً ما نفترض أن الكاتب في كثير من الأحيان قد تابع الحدث وعايشه، ضمن مواكبة متفاعلة ،لا يريد أن يتوقف دون أن يكمل مراحل بناءه، لذلك نراه يمعن الدخول في حقول اللغة والأسلوب، ليصنع مفهوماً يؤسس عليه قصاً تكون وظيفته أن يتطابق نوعاً ووصفاً مع مفهوم اكتملت دلالاته لحظة تكون القصة، فنلاحظ أن الكتابة لا تكون قائمة بذاتها منعزلة مستقلة، بل تسعى إلى تبوء مكانةِ في علم اللغة لذلك نرى الأدباء يميلون إلى الوصف في البلاغة لتكون الصور عبر ديباجة الكلام هي موطئ القص ومدخله ، وهذا العمل في الكتابة القصصية نراه معمولاً عند أغلب الكتاب رغم تباين أعمالهم ،فالقص يحتاج إلى سرد صوري وصفي يشكل المفهوم الدقيق للقص دون سرد يحمل صوراً لأشخاص تمثل الزمن الراهن ولا يصل إلى الدرجة المتعمقة والمتفاعلة مع التنوع والدقة ،ولو دخلنا ساحة العمل الأدبي الذي قدمته الأديبة خديجة بدور بعنوان غدر الزمان كقصص ترصد لنا الزمان وما فيه من تقلبات وعرات لوصلنا إلى نتيجة تؤكد صحة مقولتنا بأن الكتابة القصصية هي الأصعب في تمردها على محاولات من لا يعرف دهاليز ساحاتها
1- إن الكتابة القصصية تفسر الواقع من خلال قوة الكلام والقدرة على الوصف المدهش في عرض الأحداث ، والمنطق في استعادة المحكي حتى لو جاء مجزأً ،فالتواصل بين القص والواقع يخضع للتجربة وذلك عن طريق سلسلة من عمليات التوغل في الحدث فالكتابة القصصية ظاهرة معقدة تتطلب توتراً نادراً في الفكر ومن المؤكد أنها في بعض الأحيان تصل إلى هدفها من المرة الأولى ،فالحركة المحكية التي تنحدر منها القصة تتضمن طوائف من الصور، فالقص مزاوجة بين المفردات والصور ، والكاتب الناجح ،هو القادر على تفعيل هذه الصور وإدخالها في عمليات الفكر كي نعيها.ويوضح طرائق استخدامها ، وبهذه القيمة يتحول التأمل والمتعة الناجمة عن الصور إلى جعل الاهتمام يتجه نحو الكلام المحكي يصيغه الوعي الفكري إلى قص. ( لكن علة أبي صالح المزاح المتواصل مع الداخل والخارج من عنده بعكس زوجته التي كانت جدية رزينة بالإضافة إلى كرمها ومساعدتها للمحتاجين مثل زوجها أبي صالح) ص7 ولكننا لو نظرنا إلى الحدث الذي يزخر بهذيان التفسير فلن نتعجب من عمل الكاتبة كيف قدمت هذا الرجل ( أبو صالح) وكيف وظفت مزحة غريبة الإنتاج، أدت إلى خراب بيت ودمار أسرة نتيجة مصادفة غريبة فكلمات العم أبو صالح جاءت مطابقة للواقع ، فالشامة التي ذكرها أبو صالح موجودة بالحقيقة على فخذ المرأة أم الولد .... فعندما توافقت المطابقة مع الصورة(المزحة ) وسمعها والد الصبي ... نزلت المصيبة ، طلق الزوج زوجته لأنه صدق المزحة التي جاءت صحيحة ومطابقة لشامة الزوجة. لقد استخدمت المزحة بأسوأ صورة لها فجاء العيب في القصة لتشويهها الظرف والنكتة ومكانة الرجل المحترم، كيف يطلق رصاصة من فمه تهدم كيان أسرة هانئة . إن هذا التوظيف رغم الصنعة والتكلف في جعل المطابقة بين المزحة والواقع فإنها لا تؤدي الغرض المطلوب فالطرفة غاية بحد ذاتها وهي تقوم على أسس فعالة في خلق الزمن الحافل بالمسرة . حتى أن المزحات التي يرويها أبو صالح فاقدة لكل فائدة ... مثل (تفقدت أذني أمك صباحاً فيجب الطفل :لا فيقول أبو صالح : لقد أكلهما والدك في المساء)ص 7 إن الهدف من سوق هذه الأفكار عند الأديبة أريد بها صالح المجتمع لكن المفاهيم التي وضعت فيها لا يمكنها أن توصل إلى بر الأمان ، فقد أكد الكتّاب أن تستعمل المكونات السليمة التي تتميز بمقدمات سليمة فتعطي نتائج صحيحة وهذا الخطأ يبدو مدوياً في كتابة السيدة خديجة بدور عندما زاوجت بين المقدس والخطأ مبررة الخطأ ومعلنة أن ذلك جاء غاية كالصرخة المخيفة التي تجعل الخطأ مبرراً .
2-
من يتابع سيرورة الحدث يرى بأن الكاتبة وصفت بطلها بكل الصفات الحميدة في قصة (الأمانة ) ثم ناقضت كل ما قدمته من جمال ( كان شاباً رائع الجمال ذا جبين وضاح وعينين عسليتين صافيتين ... كان لا يفتن الناظر بجماله البدني ، بل يخلب اللب بطيبة قلبه وصراحة طبعه واستقامة نفسه بعيداً عن الغرور والرذائل) ص11 وبعد كل هذا الوصف نرى التطابق بين القيم واللاقيم بشكل يدل على التهاون في رصد الحدث وكأن المجتمع الذي نعيش فيه....يتجاوز كل الأمور ويحرر نفسه من المآزق بسهولة وهذا لا يطابق الواقع فالشهادة في سبيل الوطن شيء مقدس والتضحية بالروح لا يقارنان بالخطيئة والحمل خارج الأطر الاجتماعية المعترف بها ، لا يمكن تبريره في مجتمع يتعلق بالمقدس ويحافظ على القيم ،والأمانة كلمة غالية الثمن، ولا يمكن هدرها بل يتمسك بها المجتمع بقوة وصرامة ، أم الأديبة فقد خلطت الأمور ببعضها رغم أن قصدها سليم لكن مفاهيم الوعي هذه تكاد لا تعبر عن الأهمية التي تثيرها في الحكم على ما تريد ه هي ، مخالفة بذلك شروط المجتمع وهذا يتضافر مع نشاط فكر المتلقي الواعي، الذي يستطيع فرز الصحيح من الخطأ. والأديبة لم تفرق بين الأهمية المقدمة من خلال القص والتضارب الذي وقعت به الكاتبة من خلال الخلط بين الذاتي والجمعي . ( الآن أمامكم أحلف بروحه الطاهرة وبأنني على عهدي له أمامكم وأمام الله وأمام نفسي لن أكون إلا له مهما حصل ولقد سلمته روحي وجسدي قبل موعد زفافنا عندما كنا في دمشق نجهز لعرسنا ولست نادمة على ذلك ) ص16 3- لقد أسهم التقبل المحتم لنقل الصور والمضي في التماهي بإزاحة المفهوم إسهاماً من قبل الأديبة في صرف معظم السرد إلى التبسيط والتسهيل والتحلل من الأعراف والعادات ، فهي تجد لذلك تبريراً من ناحية التسلسل والتهاون من قبلها وتمرير ذلك على المجتمع كله، وبتصورها وحدها وهذا رأيها. إن الحركة الكلامية التي تحمل مجموعة الصور التي ترسلها الأديبة تجمع الكثير من الأحداث التي تخنق القص وتجعله مزاجي غامض ، فتبرير الكذب وتحويله فضيلة يضعف المردود العام من القص ، ويربك المتلقي لأنه سيظن بأن أخلاقيات السارد تتناسب مع ما يصله لأن القص يؤكد ذاتية الأديب. ( عاش أبو حمدان عمره والكل مصدق لهذه الأكذوبة ... لكن أبا حمدان وحده يعلم الحقيقة .استطاع أبو حمدان بمحبة الناس له وتلبية طلباته أن يشتري أرضاً ،وعاش عيشة رغيدة بسبب كذبة كذبها فصدقها الجميع ) ص 21 إن مفهوم دور الوعي في عملية سرد القصة يعتبر صاحب أهمية كبرى، وإن الجملة التي يصيغها تحمل في ذاتها فكرنا الواعي، وهذه الجملة تبرز الحدث إلى العالم ،فالقص مجموعة من الخيوط تربط مصائر بعضها، والقص يوفر ما يجهله المتلقي ولا يعمل على تضليله، ويجلب له الطمأنينة لما يسرد، وتتابع الأديبة حكائيتها المكررة والتي ظلت تراوح في جانب واحد ،حتى عند الاعتراف بالخطأ نجدها تترك الخطأ سيد الموقف ليدخل الكائن في خطأ ثان وثالث ورابع، وإلى ما لا نهاية فاعتراف الزوجة لزوجها بالخيانة وتقبل الزوج الخيانة وعدم التحدث حول هذا الموضوع أو الهيجان أو حتى الغيرة يدفع بالزوجة إلى ارتكاب الخطأ من جديد ، وتستمر القاصة في سرد ما يروق لها من حكايات ظانة أنها أوجدت شيئاً جديداً غير أنها دون أن تدري .... تعيد ما ورد في كتابات بعض الكتاب وخاصة في سرد قصة المدرس محمد مدرس مادة الرياضيات فالقاصة لا أعتقد أنها لم تراها في حكايات الممثل ياسر العظمة التي بثها التلفزيون .... وهذا يدل على عدم اكتراث الأديبة بالتمعن بما تكتب من قص وعدم البحث عن حدث محبوك بعناية وتبصر ،وهذا يوحي بأنها تريد كتابة أحداث لم تتأثر بها ولم تبذل جهداً في إيجادها، وهذا واضح في قصة "اعتراف". ( عزيزي لا تنس أن تتصل بأستاذ الرياضيات كي يحضر إلى البيت لإعطاء ابنك دروسه) ص162 وتعود الزوجة لتذكر زوجها صاحب المركز الأمني الكبير بإحضار مدرس الرياضيات لابنهما المدلل . ( رن جرس الهاتف الخاص في مكتب (سي السيد ) رفع السماعة بامتعاض ثم أجاب : خير ؟كانت الزوجة هي المتصلة الزوجة لم يأت أستاذ الرياضيات هل نسيت أن تتصل به ؟ ) ص163- 164 بعد هذه المحادثة السريعة يطلب الرجل المهم من عناصره احضار المدرس وتمضي الأمور على هذا الشكل حيث يستغرق الرجل المهم وزوجته حياتهما الخاصة، فيسافرا إلى منتجع وتدور حوارات جميلة تعيد أيام الماضي الرائع فتتذكر الزوجة مدرس الرياضيات ... فتقول لم ترسل لابننا مدرس الرياضيات ... يجيبها الزوج الهام بل أرسلته ألم يصل منذ عدة أيام ... هنا تبرز العقدة ... الرجل معتقل عند عناصر الرجل المهم لأنهم لا يفهمون سوى جلب الناس وزجهم في الزنازين دون معرفةٍ لأسباب اعتقالهم . وهذا توظيف لم تبحث عنه الكاتبة بل جاءت به دون جهد ..... كان الأجدر بها أن تعيد حبك القصة بشكل يجعل تقنيات القصة تبرز بحداثتها وأهميتها وهناك زلات كثيرة وقعت بها القاصة حيث دفعت بمنهدس طيران إلى التسول ليؤمن ثمن دواء لابنته ، فقد بررت التسول بسبب الظروف الصحية للابنة ولكن في سياق التعريف بالأب المنكوب مسبقاً وكأنما أرادت أن تجعل كل النكبات قد لحقت بهذا الزوج، فهو فلسطيني طرد من وطنه ولجأ إلى سورية ودرس في كلية هندسة الطيران وتخرج مهندساً طياراً، ثم ظهر مرض ابنته ... فتحول إلى متسول يقف على أبواب الفنادق الكبرى ويعرِّف عن نفسه ويطلب المال من المرتادين لهذه الفنادق وكأن التسول قضية سهلة ومسموح بها في قيمنا ولا توجد موانع تحد من هذه الظاهرة ، إنها إحدى السلبيات التي وقعت بها الكاتبة . من خلال ما تقدم لم تتمكن الأدبية من توفير الإقناع في ما قدمته بقدر ما يعرفه المتلقي عن جماليات القص رغم محاولتها في خلق التواصل النفسي والإنساني بهدف التغلغل من خلال السرد إلا أنها أضعفت عملية الإبداع لأنها خاضت التجربة بشكل يناقض كتابة القصة الفنية وأهدافها الحقيقية.
علي الصيرفي