حدثني صاحبي أبو اصطيف، عن عبد الجليل ابن خالته نظيرة، عن عابر سبيل التقاه مصادفة على مقعد في الحديقة العامة قرب منزله، بعد أن عبرت الشارع المجاور للحديقة سيارة حكومية طائرة يقودها طفل رضيع لما يبلغ الفطام بعد، قال:
قبل بضعة أيام وبعد أن ختمت إحدى الفضائيات الناطقة بالعربية نشرة أخبارها بخبر تناقلته وكالات الأنباء العالمية في مغارب الأرض ومشارقها يفيد بأن ثمة وزيرة إسبانية ذكرت الوكالات الاسم والحقيبة لكني نسيُتهما كالعادة تتعرض للمساءلة في بلدها في هذه الأيام لأنها استخدمت سيارتها الحكومية في يوم عطلة، وربما يصل الأمر إلى عرض مخالفتها على برلمان بلادها لسحب الثقة منها، وبالتالي إلى فقدانها لمنصبها الوزاري عندهم البرلمان على ما يبدو يقيل الوزيرة والوزير والوزارة ويخرب الدنيا... يا للهول أغلق مضيفي جهاز التلفزيون التلفاز عند النحويين على نحو مفاجئ، وقفز عن الديوانة وسحبني من يدي لنخرج من الشقة مهرولين إلى الشارع. فمدخل المطعم الفخم أو المقصف أو المنتجع القريب الذي يكلف الدخول إليه لتناول وجبة طعام راتب شهر بطوله وعرضه مع التعويضات لموظف فئة أولى وصل إلى سقف الراتب... وبعد استعادة شيء من أنفاسنا، عند المدخل، أو أنفاسي التي كادت تزهق لو لم ألحقها بالبخّاخ، فمضيفي يتمتع بلياقة بدنية عالية.
ـ شف هذا الجمع الهائل من السيارات... أقسم لك بالتراب الذي نزل فوق قبر أبي إن أكثره لموظفين عند الحكومة.
وأخذ يصنف مراتب الموظفين داخل المطعم من خلال أنواع السيارات المركونة في الساحة قرب الباب، على أساس أننا البلد الوحيد في العالم الذي تعرف منصب الموظف فيه من (موديل) السيارة الحكومية التي يستخدمها.
ثم إن الذي جرى قبل بضعة أيام أدهى وأمر... فالموظف الحكومي الذي يقصد أماكن كهذه يستقدم سائقه معه أو على الأقل يقود السيارة بنفسه، فالصعود إلى قمم الجبال يحتاج إلى معلمية بالسواقة... لقد تناقلت وكالات الأنباء الشعبية في مدينة تنتمي لبلد عالم ثالثي خبر تدهور سيارة حكومية فخمة جديدة طخّ مثل عروس في ليلة دخلتها، وفي يوم عطلة أسبوعية يقودها ابن الموظف الذي لما يبلغ سن الرشد بعد، وسُجّل الحادث باسم السائق حفاظاً على اسم الوالد ومركزه.
بالنسبة إلينا لا نعرف الظرف الذي جعل الوزيرة الإسبانية تستخدم السيارة الحكومية في يوم عطلة، ولا نعرف أيضاً الظرف الذي جعل الفتى العالم ثالثي يستخدم سيارة أبيه الحكومية في يوم عطلة أيضاً، لكن هذا لا يمنعنا من التفكير بالحالتين للوصول إلى الحقيقة أو ما يقربها...فالوزيرة قد تكون اضطرت مثلاً لاستخدام سيارة الحكومة.. ففعلت.. يعني مثلاً كأن تكون قد وعدت أفراد أسرتها مساء يوم السبت بدعوة على الغداء في مطعم يقع على أطراف المدينة، وعندما توجهوا ظهر اليوم التالي إلى الكراج لم تستطع قيادة سيارتها الخاصة لوجود عطل مفاجئ لم يتمكنوا من إصلاحه، فاستقلوا السيارة الحكومية.
أما الفتى فقد يكون أبوه قد أرسله ليشتري له علبة سجائر من السمان الذي لا يبعد اكثر من مئة متر عن البناية التي يقطنون إحدى شققها، أو أرسلته أمه لشراء كروز متهَ، من الدكان نفسه، فاخذ مفتاح السيارة من جيب والده وخرج.
يا أخي فعلاً الإسبان لا يستحون... أولاً لأنهم يستقوون على حرمة، ياعيب الشوم.. وثانياً..
لا ثانياً، ولا ثالثاً، حلّ عني فأنا أمشي الحيط الحيط..
ونهض ابن نظيرة خالة أبي اصطيف وترك عابر السبيل يتحدث بالسياسة وحده.
تاج الدين موسى
قاص من ادلب
قبل بضعة أيام وبعد أن ختمت إحدى الفضائيات الناطقة بالعربية نشرة أخبارها بخبر تناقلته وكالات الأنباء العالمية في مغارب الأرض ومشارقها يفيد بأن ثمة وزيرة إسبانية ذكرت الوكالات الاسم والحقيبة لكني نسيُتهما كالعادة تتعرض للمساءلة في بلدها في هذه الأيام لأنها استخدمت سيارتها الحكومية في يوم عطلة، وربما يصل الأمر إلى عرض مخالفتها على برلمان بلادها لسحب الثقة منها، وبالتالي إلى فقدانها لمنصبها الوزاري عندهم البرلمان على ما يبدو يقيل الوزيرة والوزير والوزارة ويخرب الدنيا... يا للهول أغلق مضيفي جهاز التلفزيون التلفاز عند النحويين على نحو مفاجئ، وقفز عن الديوانة وسحبني من يدي لنخرج من الشقة مهرولين إلى الشارع. فمدخل المطعم الفخم أو المقصف أو المنتجع القريب الذي يكلف الدخول إليه لتناول وجبة طعام راتب شهر بطوله وعرضه مع التعويضات لموظف فئة أولى وصل إلى سقف الراتب... وبعد استعادة شيء من أنفاسنا، عند المدخل، أو أنفاسي التي كادت تزهق لو لم ألحقها بالبخّاخ، فمضيفي يتمتع بلياقة بدنية عالية.
ـ شف هذا الجمع الهائل من السيارات... أقسم لك بالتراب الذي نزل فوق قبر أبي إن أكثره لموظفين عند الحكومة.
وأخذ يصنف مراتب الموظفين داخل المطعم من خلال أنواع السيارات المركونة في الساحة قرب الباب، على أساس أننا البلد الوحيد في العالم الذي تعرف منصب الموظف فيه من (موديل) السيارة الحكومية التي يستخدمها.
ثم إن الذي جرى قبل بضعة أيام أدهى وأمر... فالموظف الحكومي الذي يقصد أماكن كهذه يستقدم سائقه معه أو على الأقل يقود السيارة بنفسه، فالصعود إلى قمم الجبال يحتاج إلى معلمية بالسواقة... لقد تناقلت وكالات الأنباء الشعبية في مدينة تنتمي لبلد عالم ثالثي خبر تدهور سيارة حكومية فخمة جديدة طخّ مثل عروس في ليلة دخلتها، وفي يوم عطلة أسبوعية يقودها ابن الموظف الذي لما يبلغ سن الرشد بعد، وسُجّل الحادث باسم السائق حفاظاً على اسم الوالد ومركزه.
بالنسبة إلينا لا نعرف الظرف الذي جعل الوزيرة الإسبانية تستخدم السيارة الحكومية في يوم عطلة، ولا نعرف أيضاً الظرف الذي جعل الفتى العالم ثالثي يستخدم سيارة أبيه الحكومية في يوم عطلة أيضاً، لكن هذا لا يمنعنا من التفكير بالحالتين للوصول إلى الحقيقة أو ما يقربها...فالوزيرة قد تكون اضطرت مثلاً لاستخدام سيارة الحكومة.. ففعلت.. يعني مثلاً كأن تكون قد وعدت أفراد أسرتها مساء يوم السبت بدعوة على الغداء في مطعم يقع على أطراف المدينة، وعندما توجهوا ظهر اليوم التالي إلى الكراج لم تستطع قيادة سيارتها الخاصة لوجود عطل مفاجئ لم يتمكنوا من إصلاحه، فاستقلوا السيارة الحكومية.
أما الفتى فقد يكون أبوه قد أرسله ليشتري له علبة سجائر من السمان الذي لا يبعد اكثر من مئة متر عن البناية التي يقطنون إحدى شققها، أو أرسلته أمه لشراء كروز متهَ، من الدكان نفسه، فاخذ مفتاح السيارة من جيب والده وخرج.
يا أخي فعلاً الإسبان لا يستحون... أولاً لأنهم يستقوون على حرمة، ياعيب الشوم.. وثانياً..
لا ثانياً، ولا ثالثاً، حلّ عني فأنا أمشي الحيط الحيط..
ونهض ابن نظيرة خالة أبي اصطيف وترك عابر السبيل يتحدث بالسياسة وحده.
تاج الدين موسى
قاص من ادلب